إدريس الدريس

دأبت القوى الخارجية على استهداف وحدة هذا الوطن من خلال السعي لتوظيف الطائفية في كثير من الأعمال التخريبية

&


كنا نسافر في الصغر مع والدي -أطال الله عمره- مرة كل عام، وأحياناً لأكثر من مرة، إلى المنطقة الشرقية لزيارة عمتنا أخت الوالد، التي تقيم مع زوجها وأسرتها في الثقبة في ذلك الحين.


كان والدي يسافر بنا في سيارته نهاراً وكان الطريق من الرياض إلى الدمام يستغرق وقتاً طويلاً، نسبة لضيق الطريق ومع كونه ضيقاً إلا أنه كان يستخدم في الاتجاهين ذهاباً وإياباً، كما لا تخلو بعض أجزاء الطريق من بعض التآكل للإسفلت، مما قد يشكل خطورة على المسافرين بما يوجب القيادة بحذر وبطء، ولهذا كنا نمضي معظم اليوم في هذه الرحلة وبالنظر لكوننا في سن الطفولة فقد كنا ننام أنا وإخوتي في المرتبة الخلفية للسيارة، كما يحدث دائماً مع الأطفال في السفر البري، فإذا أقبلنا مساء على مصافي البترول في مدينة بقيق يتولى والدي -يحفظه الله- إيقاظنا لنشاهد أعناق النيران تطاول السحاب نتيجة لحرق الغاز وصولاً إلى استخراج البترول، وكان منظرها ليلاً يحقق شيئاً من إنارة المحيط بها لشدة اتقادها.


أتذكر هذه التداعيات التي مضى عليها أربعون عاماً وأكثر، ثم أتذكر جولاتنا وتفسحنا في مدن المنطقة الشرقية وزيارتنا للأحساء وعيونها الغامرة بالمياه آنذاك وزيارة جبل قارة البارد، الذي يفترض استثماره سياحياً، كما كنا نزور أيضاً دارين وجزيرة تاروت وصفوى وسيهات، كما كنا نتحين الفرص لزيارة "كمباوند" أرامكو لنمتع نواظرنا بمشاهدة السينما، والواقع أنني لم أسمع في ذلك الحين من والدي أو زوج عمتي -يرحمه الله- وأبنائه حين كنا نترافق أثناء تمشياتنا في قرى ومدن المنطقة الشرقية أي إشارة طائفية، وبوضوح أكثر لم يقل لي أحد ونحن نزور جزيرة تاروت وقلعتها الشهيرة أن غالبية أهلها من الإخوة الشيعة، والحال كذلك مع صفوى وسيهات.
كنا ندخل تلك المدن ونسلم على أهلها ولا تظهر على سماتنا أي ملامح سنية، ولم نكن نلحظ على أهل تلك المدن القطيفية أي ملامح شيعية.


كنا نعتمر نفس الملابس ولنا نفس اللغة مع اختلاف لهجوي يحدث بين كل المناطق، وكان الملمح الرئيس الذي نشترك فيه أننا جميعاً مسلمون وأننا كلنا سعوديون.


يجرني إلى مثل هذا الحديث التحول الذي حدث مع "تصدير الثورة" وما استتبع ذلك من محاولات سياسية للاستحواذ والسيطرة وتوسيع دوائر النفوذ الإيراني، مستعينة في ذلك بالعاطفة الدينية التي يتم توظيفها دائماً من القوى التي ترسم تطلعاتها للسيطرة فتعمد إلى تأجيج وإيقاد الهاجس الديني من خلال زرع بثور الطائفية، وهكذا يستدرج كثير من العامة، سنة وشيعة، وفق البساطة والسذاجة اللتين هم عليهما ليصبحوا أدوات وعملاء ووقود سوء للمتطرفين السنة أو للحركيين الشيعة.


ومن هنا فقد دأبت القوى الخارجية على استهداف وحدة هذا الوطن من خلال السعي تباعاً لتوظيف هذه الطائفية في كثير من الأعمال التخريبية، التي تمت مواجهتها ولله الحمد، منذ تواليها عبر التفجيرات والأعمال الإرهابية بجدار سميك من الرفض الشعبي السني والشيعي، كما واجهت في نفس الوقت ردعاً صارماً وكشفاً متوالياً لكل المخططات المشبوهة التي تحاك ضد هذا الوطن.


أقول هذا الكلام بمناسبة الحادثتين المتزامنتين أمس وأول من أمس في الأحساء وفي شقراء، بما يؤكد أن ثمة تنسيقا متزامنا لإحداث هذا الشغب وإثارة الرعب بين الناس.
لكننا نرتعب ونخاف على وطننا، ولا نخاف من هؤلاء المتطرفين فقد جربونا خلال العقود الثلاثة الماضية ولم يجدوا حيالنا سبيلاً.


ونبشرهم بأننا جميعا "نتشيع" لهذا الوطن في "سنة" من الحب والوفاق التي لن نرضى لها تبديلاً.
&