محمود الريماوي
&
حكمت المباحثات التي أجراها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو اعتبارات عدة تتعلق بالحليفتين دمشق وموسكو معاً . الاعتبار الأول هو الخشية من أن تتطور الحملة الدولية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا إلى استهداف مراكز ومرافق للنظام السوري، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي لافروف في اجتماعه بدبلوماسيي بلاده في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما تتحدث به أوساط إيرانية . وقد لوحظ أن لافروف شدد لدى لقائه المعلم على أن الحملة على الإرهاب ينبغي أن لا تنتهك سيادة الدول، وذلك في اعتراض ليس الأول من نوعه على ظروف تشكيل الائتلاف الدولي ضد هذا التنظيم الإرهابي . وقد عزز هذه المخاوف الروسية صعود الجمهوريين في انتخابات الكونغرس الأخيرة، الذين ينزعون لاتخاذ مواقف متشددة من دمشق، وقد جاءت استقالة وزير الدفاع هاغل وهو جمهوري في سياق اعتراض الجمهوريين على تحييد دمشق في حملة الائتلاف الدولي.
&
في الإطار ذاته فإن تشديد دمشق على المطالبة بتسلم صواريخ "س 300" الروسية المتطورة المضادة للطائرات، يأتي في إطار المخاوف من اتساع نطاق حملة الائتلاف الدولي لتشمل أهدافاً للنظام، ومحاولة لإحباط هذا الاحتمال . المصادر الروسية تتكتم حول موقفها من هذا المطلب، وإن كانت بعض هذه المصادر تتحدث عن أنه ليس هناك ما يمنع من تنفيذه . على أن حسابات بعضها مالي وبعضها استراتيجي تدفع لتريث موسكو خشية الانزلاق إلى مواجهة روسية - أمريكية بالوكالة على الأراضي وفي الأجواء السورية . علماً بأن دمشق طلبت قرضاً بمليار دولار من موسكو ولم تُبد موسكو استجابة لهذا المطلب، في ظروف احتدام الأزمة السورية واستمرار نزيف الموارد الوطنية.
&
الاعتبار الثاني الذي حكم مباحثات المعلم في موسكو بما فيها اللقاء المنفرد الذي تم بين بوتين والمعلم، هو الحاجة إلى احتواء سياسي للأزمة الطاحنة والمفتوحة، وأخذ زمام المبادرة من أيدي المجتمع الدولي، والتلويح بأن هناك حلولاً سياسية ممكنة، بدلاً من الاندفاع إلى المجهول مع تداعيات الحملة العسكرية التي ينفذها الائتلاف الدولي . من المعلوم في هذا السياق أن موسكو وقفت مع دمشق في مؤتمري "جنيف1" و"جنيف 2" حين رفضت الأخيرة بحث مطلب تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، وطالبت بدلاً من ذلك بتركيز الجهود على مكافحة الارهاب، ولم يكن تنظيم "داعش" في تلك الاثناء يتمتع بالقوة التي تمتع بها لاحقاً.
&
الحل السياسي الذي ترتأيه موسكو هو الذي يضم الحكومة السورية وأطرافاً شتى من المعارضة باستثناء الائتلاف . ولهذا استقبلت موسكو معاذ الخطيب الرئيس الأسبق للائتلاف بصفته الشخصية في سبتمبر/ أيلول الماضي . وحال الضعف والتشتت الذي يعانيه الائتلاف في هذه الآونة، بدا فرصة مواتية لموسكو للعمل على تجاوزه.
&
وبينما راجت أنباء أن موسكو تنوي بالتنسيق مع دمشق التحضير للانتقال إلى "جنيف 3"، إلا أن مباحثات المعلم ولافروف هدفت في واقع الحال إلى طي صفحة مؤتمرات جنيف، والاستعاضة عنها برعاية روسية لحوار سوري سوري مُفترض، وذلك بهدف إقصاء الرعاة الإقليميين والدوليين لمؤتمر جنيف، ومن أجل طي أجندة جنيف القائمة أساساً على تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات كمدخل للحل، وبحيث ينطلق الحوار البديل بلا مرجعية، ومن نقطة الصفر، وهو ما تسميه موسكو حواراً بغير شروط مسبقة . وهو ما يفسر ما تداولته منابر عديدة في دمشق وبيروت مقربة من النظام في دمشق من تقارير تحدثت فيه عما أسمته "بموسكو1" بديلاً عن جنيف3.
&
يُذكر هنا أن مصادر منها المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا وأمين الجامعة العربية نبيل العربي، قد تحدثت في الأسابيع الأخيرة عن إمكانية أن تفتح خطة المبعوث الدولي بتجميد موضعي متدرج للنزاع الطريق نحو جنيف 3 . غير أن ترحيب الحليفتين موسكو ودمشق المبدئي بخطة دي ميستورا لحلب، لم يشمل ربط هذه الخطة بفتح أية آفاق لحل سياسي شامل للنزاع . في واقع الأمر أن هذا هو الاعتبار الثالث الذي حكم اللقاء السوري الرسمي مع الخارجية الروسية الأسبوع الماضي، فالمبعوث الأممي يتحرك باسم المجتمع الدولي، ويراد منه في دمشق وموسكو الاكتفاء بلعب دور إطفائي حرائق إن استطاع، وتوفير ملاذات آمنة وتحقيق مصالحات بين السكان، دون تطوير خطته او فتحها على حل سياسي أوسع يتلاقى مع مضمون مؤتمري جنيف 1 و2.
&
حصيلة المباحثات عبّر عنها الوزير المعلم بالقول إن المشاورات سوف تستمر بين وزارتي الخارجية في البلدين من أجل التحضير لحوار سوري سوري.
&
غير أن أطرافاً سورية عدة في الائتلاف وفي المجلس الوطني فضلاً عن التشكيلات المسلحة، لا ترى في موسكو وسيطاً صالحاً . وهذه تحتاج موافقة واشنطن وأطراف أوروبية خاصة فرنسا من أجل دفع قاطرة التحرك السياسي . بما يجعل النتيجة الملموسة شبه الوحيدة للمباحثات أنها عززت الحلف القائم بين موسكو ودمشق، رغم ما يلقيه هذا التحالف من أعباء متزايدة على العاصمة الروسية وذلك مع الانسداد العسكري والسياسي المتواصل للأزمة السورية.