عثمان ميرغني
&
الخطوات التي اتخذتها بعض السفارات الغربية في مصر هذا الأسبوع بإغلاق أبوابها، أو بتحذير رعاياها من هجمات إرهابية محتملة، تذكرنا مجددا بحجم التهديدات التي تواجه الدولة المصرية، وخطورة المرحلة الراهنة، لا في مصر وحدها بل في المنطقة عموما. فالإرهاب أصبح مع الحروب المعول الأساسي لضرب أي استقرار في المنطقة، ولهدم الدول أو إغراقها في معارك داخلية تستنزفها وتجعلها منكفئة على نفسها.
&
في مصر تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية بشكل ملحوظ منذ الإطاحة بحكم «الإخوان»، واستهدفت معظم العمليات قوات الجيش والشرطة، مع تركيز خاص على سيناء التي بدا منذ فترة أن هناك من يريد تحويلها إلى قاعدة للتطرف والإرهاب، وهو ما حدث مع إعلان تنظيم «أنصار بيت المقدس» مبايعته لـ«داعش» وزعيمه أبو بكر البغدادي، ثم تبنيه لمسمى «الدولة الإسلامية في سيناء». هذا الارتباط بين التنظيم الإرهابي الرئيسي في سيناء والتنظيم الإرهابي الأكبر في المنطقة حاليا ربما كان وراء الخطوات والتحذيرات التي أعلنتها بريطانيا وكندا وألمانيا وأستراليا، إضافة إلى الولايات المتحدة. فـ«داعش» وجه في الآونة الأخيرة تهديدات باستهداف الدول التي تشارك في الحملة العسكرية ضده، كما أنه أطلق منذ يونيو (حزيران) الماضي تهديدات ضد مصر، وهي تهديدات كان واضحا أن دافعها دعم «الإخوان»، لأن مصر لا تشارك في الغارات التي يشنها التحالف الدولي ضد مواقع هذا التنظيم ودولته الإسلامية المزعومة في العراق وسوريا.
&
هناك من ذهب إلى اتهام الدول التي أغلقت سفاراتها أو وجهت تحذيرات لرعاياها بأنها ضالعة في مؤامرة ضد مصر بهدف إضعافها وإظهارها على أنها دولة غير مستقرة. لكن هذه القراءة تغفل أن مثل هذه الخطوات والتحذيرات لا تقتصر على مصر وحدها، بل كثيرا ما تصدر وتطبق في دول أخرى يعلو ويهبط فيها مستوى التهديد الإرهابي في أوقات مختلفة ولأسباب متباينة. فالدول الغربية، بل كل الدول تقريبا، تأخذ التهديدات الإرهابية بجدية حماية لمصالحها ورعاياها وأمنها، خصوصا في وقت بات فيه الإرهاب هاجسا دوليا. والدول التي أعلنت الإجراءات الاحترازية الأخيرة لديها أسباب تتراوح ما بين تهديدات محددة أطلقها تنظيم داعش ضدها، مثلما هو الحال مع بريطانيا، إلى دول تخوفت من ردود فعل سلبية بعد نشر ملخص تقرير الكونغرس الأميركي الذي يتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بممارسة أساليب استجواب «وحشية» ضد المعتقلين في قضايا إرهاب، واستخدام إفادات غير موثوقة منذ إعلان الحرب على الإرهاب في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001.
&
في كل الأحوال فإن هذه القراءات والإجراءات لا ينبغي أن تصرف الأنظار عن أن هناك تهديدات إرهابية جدية ضد مصر وضعت الدولة في حالة حرب حقيقية ضد الإرهابيين الذين صعدوا عملياتهم منذ الإطاحة بحكم «الإخوان». ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن التهديدات الإرهابية تتزامن مع تصاعد مد حركات التطرف والإرهاب منذ الربيع العربي، وتمكن هذه الحركات من تأسيس وجود قوي مسلح في عدد من الدول من ليبيا إلى اليمن، ومن سوريا إلى العراق. فبعد سيطرة «داعش» على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وسيطرة الحوثيين على اليمن، ومحاولة حركات التطرف السيطرة على ليبيا، فإن طموحات تنظيمات التطرف والإرهاب وأحلامها بدأت تكبر بلا شك، ومصر تبقى ضمن الدول الرئيسية في دائرة أحلامها وأطماعها بالنظر إلى أهميتها ودورها في المنطقة.
&
المعركة ضد الإرهاب تتداخل أيضا مع المعركة التي تخوضها مصر لإصلاح الاقتصاد الذي يشكل ركيزة أساسية للاستقرار، لذلك سارع الأصدقاء لتقديم الدعم بينما تكاتف الخصوم والأعداء لعرقلة التعافي الاقتصادي. دول الخليج وتحديدا السعودية ودولة الإمارات والكويت قدمت لمصر دعما بأكثر من 10 مليارات دولار، وحرصت على وضع دعم مصر واستقرارها ضمن بنود القمة الخليجية في الدوحة. وبما أن الاقتصاد المصري بدأ يظهر مؤشرات جيدة على التعافي في الآونة الأخيرة جعلت البنك الدولي يعطي تقييما إيجابيا ويتوقع نموا اقتصاديا يتواصل العام المقبل أيضا بنسبة تقترب من 4 في المائة، فإن عرقلة هذا التعافي تصبح هدفا من أهداف أي جهة لا تريد لمصر استقرارا. والقطاع السياحي الذي يشكل مع قناة السويس وتحويلات المغتربين أهم مصادر العملة الصعبة ظل دائما هدفا سهلا للإرهابيين، ومن هنا يمكن فهم التهديدات للسفارات والسياح الأجانب.
&
الإرهابيون بعد تركيزهم خلال الفترة الماضية على استهداف القوات المسلحة سيحاولون بلا شك عرقلة التعافي الاقتصادي، لأن هدفهم يبقى دائما زعزعة الدولة وإضعافها من خلال ضرب الأمن والاقتصاد والنسيج الاجتماعي، وهم حتما لا يريدون رؤية إنجازات تصب في صالح الحكومة التي يريدون تقويضها لأنهم لم يخفوا عداءهم لها الذي يلتقون فيه مع أجندة «الإخوان». إنها معركة متعددة الوجوه والجبهات.