إعداد: عمر عدس وصباح كنعان

ما هي الحسابات التي بنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسته على أساسها لكي يخوض مواجهة مع الغرب حول أوكرانيا؟ مراسل ال quot;بي بي سيquot; في موسكو ستيف روزنبيرغ يحاول الإجابة في مقال جاء فيه:
روسيا لديها حكومة وبرلمان . ولديها هيئات ولجان، ومجلس أمن قومي . ولكن جميع القرارات في هذا البلد يتخذها رجل واحد: فلاديمير بوتين . وهو يجلس على قمة quot;سلطة عموديةquot; بناها بنفسه، وفي الوقت الراهن، هو الذي يقرر أي طريق تسلكه روسيا .


ولهذا السبب يصعب تحليل روسيا، والغوص فيما تفكر فيه موسكو وتخطط له . وعلى المرء أن يضع نفسه داخل عقل بوتين . إذاً، ما الذي يفكر فيه بوتين بشأن أوكرانيا في هذا الوقت؟ وما الذي يحرك خطواته في السياسة الخارجية؟ وما هو هدفه؟
هناك أمر يغضب بوتين، هو الشعور بأنه خدع . وقد رأينا ذلك في مسألة ليبيا ،2011 حين تم إقناع موسكو بعدم عرقلة قرار لمجلس الأمن بشأن إعلان منطقة حظر جوي من أجل حماية المدنيين، ولكن العملية العسكرية لحلف الأطلسي أدت إلى تغيير النظام وقتل معمر القذافي - وهذا تجاوز بكثير ما كانت موسكو تتوقعه . وهذا يفسر لماذا لم تتوان روسيا عن استخدام الفيتو لمنع صدور قرارات بشأن سوريا .
وبخصوص أوكرانيا أيضاً يشعر بوتين بأن الغرب خدعه . ففي الشهر الماضي، أرسل مبعوثه إلى كييف ليشارك في مفاوضات حول تسوية بين الرئيس فيكتور يانوكوفيتش والمعارضة، والاتفاق الذي كان ثمرة وساطة قام بها وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا نص على إجراء انتخابات مبكرة، وإصلاح دستوري، وتشكيل حكومة وحدة وطنية .
ولم يوقع ممثل الكرملين الاتفاق، ولكن بدا أن روسيا قبلته باعتباره أفضل حل في وضع سيئ . ولكن الاتفاق بقي حبراً على ورق . فبعد أقل من 24 ساعة من توقيعه، فرّ يانوكوفيتش تحت تصاعد ضغط المعارضة، وأقاله البرلمان من منصبه وعين معارضاً في منصب رئيس بالوكالة وتسارع الأحداث أخذ موسكو على حين غرة .
وبنظر بوتين، نحن نعيش في عالم تتآمر فيه القوى الغربية ليلاً ونهاراً من أجل زعزعة استقرار روسيا (وزعزعته هو شخصياً) . وهو يتذكر ثورة الورود في جورجيا ،2003 والثورة البرتقالية في أوكرانيا العام التالي . وقد اشتبهت روسيا بأن الغرب خطط لكلتيهما .


وفي وقت أقرب عهداً، اتهم الكرملين الغرب بتحريك وتمويل تظاهرات شوارع ضد حكومته في موسكو . وعلى مدى أشهر، كانت روسيا تتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتدخل في أوكرانيا سعياً لمكاسب جيو-سياسية . وفي الرابع من مارس/آذار، قال بوتين إن رفض يانوكوفيتش توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي في الخريف quot;إنما استخدم ذريعة لدعم قوى المعارضة في معركتها من أجل السلطة . . وهذه لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها شركاؤنا الغربيون ذلك في أوكرانياquot; .
ثم إن هناك مسألة توسع حلف الأطلسي، وفي مقابلة مع صحيفة quot;كومرسانتquot; في ،2010 أعاد بوتين إلى الأذهان كيف أن الحلف وعد الاتحاد السوفييتي (قبيل تفككه) بأنه لن يتوسع خارج حدوده . واستخلص بوتين: quot;لقد خدعونا بأقصى فظاظةquot; . فهل يعني تنصيب حكومة موالية للغرب في كييف ضم أوكرانيا إلى عضوية الأطلسي في المستقبل؟ روسيا ستعتبر ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي .
في الغرب، ندد المسؤولون ووسائل الإعلام بتدخل موسكو في القرم، والذي انتهى باستفتاء أعادها إلى الحضن الروسي، وهذا نفاق بنظر بوتين، الذي لا يفوت فرصة لتذكير العالم بتدخلات الولايات المتحدة في أفغانستان، والعراق وليبيا .
وفي كلمته أمام مؤتمر ميونيخ الأمني عام ،2007 ندد بوتين بما رآه quot;عالماً أحادي القطبquot; - عالم أصبحت فيه الولايات المتحدة المهيمن الوحيد، وقد كان مصمماً على الدفاع عما يعتبره مصالح روسيا المشروعة عبر العالم - سواء كان ذلك في سوريا، أو على مقربة من بلاده في أوكرانيا .


إضافة إلى ذلك، بينما يعتمد قسم كبير في أوروبا على واردات الطاقة الروسية ويستفيد من التجارة مع موسكو، حسب الكرملين فإن خصومه في الغرب لن يتحملوا نزاعاً خطراً مع روسيا .
وهو يقول إن تدخل روسيا في القرم هو بدافع quot;إنسانيquot; من أجل حماية السكان هناك من quot;الفوضىquot; .
ولكن مصالح روسيا القومية هي الأعظم بالنسبة له، وهي تقتضي ضمان بقاء أسطول البحر الأسود الروسي في القرم، وأن يفكر قادة أوكرانيا الجدد مرتين قبل أن يرتموا في أحضان الغرب وينبذوا روسيا .