عبد الوهاب بدرخان

تخطو مصر نحو مرحلة يأمل المصريون والعرب في أن تشكّل الانتقال المطلوب للشروع في تأسيس استقرار جديد. والانطباع السائد، بل الاقتناع الراسخ حالياً، أن المشير عبدالفتاح السيسي سيخرج رئيساً من صناديق الاقتراع الأسبوع المقبل. فالرجل قاد التغيير بعد «ثورة 30 يونيو»، وقبل ذلك كان طرح كل المخارج الممكنة على الرئيس «الإخواني» السابق تجنباً لخيار عزله على النحو الذي تمّ في الثالث من تموز 2013، ثم كان هو من رعى توافق الفعاليات الدينية والسياسية على خريطة الطريق إلى المرحلة التالية وتولّى شخصياً إعلانها لتأكيد دعم المؤسسة العسكرية لها، وستمثّل الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية آخر المحطات فيها.

على إحدى القنوات المصرية قالت الصحفية لنساء ورجال متجمعين تأييداً للمرشح السيسي: «الناخبون هم مَن يقررون الفائز، فماذا لو خسر مرشحكم، هل تقبلون النتيجة وتعتبرون المرشح الآخر رئيسكم»؟ كان السؤال افتراضياً وإشكالياً لكن الإجابة كانت عفوية وفورية: «إن شاء الله لن يفوز إلا السيسي».


يكاد زائر القاهرة هذه الأيام لا يشعر بأنها تستعدّ لحدث بهذه الأهمية، وعدا الصور الكبيرة هنا وهناك للمرشحين السيسي وحمدين صباحي، واللافتات التي ترفعها سلاسل المؤيدين، وتمكن مصادفتها على بعض الأرصفة، فإن الحملة تخلو من الصخب. حمدين يجوب المناطق ويلتقي الناس في شبه معركة اعتيادية، أما السيسي فيلازم مقراً محروساً قريبا من مقر حملته ويقابل وفوداً على مدار الساعة أو يجري مقابلات إعلامية أو يخاطب مؤتمرات شعبية بوساطة الفيديو. من الواضح أن الهاجس الأول في أوساط المرشحَين هو الأمن، ومنذ اكتشاف محاولتين جديّتين لاغتيال المشير لا تريد السلطات أي مجازفة ولا مفاجأة، بل إنها تبدي قلقاً على المرشح المنافس كونه أيضاً في خطر لأن تعطيل الانتخابات على أجندة الجماعات الإرهابية.

ليس مستغرباً إذاً أن يرتكز النقاش على المهمّتين العاجلتين: الأمن والاقتصاد. والأول أصبح مرادفاً لـ «الإرهاب» الذي تعتقد السلطة أنها استطاعت أن تحصر بؤره وتضيّق عليها، وبالنسبة إلى الخبراء فإن إعلان وزير الداخلية الأسبوع الماضي عن توقيف أربعين خليّة إرهابية، وبثّ اعترافات للمعتقلين بالصوت والصورة يتحدثون فيها بالتفصيل عن كيفية تجنيدهم وعمّا قاموا به من تفجيرات استهدفت أفراد الجيش والشرطة تحديداً، يطلق رسالة في اتجاهين: أولهما أن جهاز المعلومات تعافي واستعاد فاعليته في رصد الجماعات المسلحة التي تغيّرت خريطتها عما كانت عليه في العقدَين الأخيرَين، والآخر أن الخطر لم يزلْ بعد، ويتطلّب استمراراً لليقظة الشعبية التي شهدت أخيراً بعض الاسترخاء. ويُستدلّ من بيان الوزير محمد إبراهيم أن الخلايا التي ضُبطت هي إمّا متفرّعة عن تنظيم «أنصار بيت المقدّس» القريب من «القاعدة» أو مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين». وهذا التفصيل الأخير هو ما تعوّل عليه القاهرة لتصنيف «الإخوان» كجماعة إرهابية، ولتعميم هذا التصنيف في الخارج بغية الذهاب أبعد في ملاحقة «الإخوان» وتنظيمهم الدولي.

أما الاقتصاد، فيبدو المرشحان مدركين أنه سيكون المحك الأساسي، وأن الفشل فيه قد يشعل ثورة جديدة يفجّرها هذه المرة الفقراء والمهمّشون، واذا كان النجاح الجليّ صعباً، فإن السيسي اختار أن يكون صريحاً قبل دخول المعترك مكرّراً دعوة المواطنين إلى الصبر وعدم توقّع نتائج سريعة، كذلك دعوة رجال الأعمال ومختلف القطاعات إلى المساهمة في ترويض مفاهيم الربح وثقافة الجشع التي اعتادوا عليها من دون أن يكترثوا بواقع أن البلد واقتصاده يوشكان على الانهيار. وفي هذا السياق يشدد صباحي على مكافحة الفساد كأحد العناوين الرئيسية لديه تصحيحاً للوضع المالي للدولة، وتمكيناً لها من محاربة الفقر والبطالة.

ثمة خطط تنموية طموحة عند السيسي، بعضها للمدى القصير، ويهتم خصوصاً بالطبقات الفقيرة، وأكثرها تنموي على المديَين المتوسط والطويل. وفيما يتساءل أنصار منافسه من أين سيأتي بالموارد لتحقيقها، فإن السيسي الذي يراهن على مساعدات خارجية لن تخذله، يراهن أكثر على إحداث انقلاب نفسي سريع في المناخ الاجتماعي وعلى مساعدة/مساهمة طلب من قطاع الأعمال أن يعدّ نفسه لها.

لم يتفق المرشحان في مداخلاتهما التلفزيونية بمقدار ما فعلا في موقفهما الرافض لـ«عودة» جماعة «الإخوان المسلمين» إلى ممارسة السياسة من خلال قنواتها السابقة، مستندَين خصوصاً إلى أن الدستور يحظر الأحزاب ذات الخلفية والمرجعية الدينيتين. وعلى هذا الأساس يُبقي «صباحي» الباب مفتوحاً أمام «مصالحة» داخلية أما عدم إشارة السيسي إليها، فيعني أنها ليست في برنامجه. وهذا في حد ذاته يدفع كثيرين إلى توقّع أحد احتمالين، فإما أن تبدأ الجماعة مراجعة عميقة لنهجها، وإما أن يزداد انخراط شباب «الإخوان» في الأنشطة المصنّفة مسبقاً بأنها إرهابية.
&