زهير الحارثي
أكثر ما يُقلق اليمنيين، وقد أصبحت مخاوف حقيقية، هو إمكانية انهيار اليمن كدولة ونظام ومؤسسات، وقد بدأت مؤشراتها فعلاً تلوح في الأفق ولعل آخرها ما حدث في عمران، فبعد محاولات مضنية تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة على مدينة عمران والاستيلاء عليها والتي تقطنها قبائل حاشد وبكيل. الرئيس اليمني طبعاً جاء بالأمس للمملكة ليطلع القيادة السعودية حول التطورات وغادر بالتزام الرياض بدعم الشرعية في اليمن والوقوف مع الشعب اليمني ضد كل من يحاولون الاستيلاء على السلطة بدعم من أطراف ودول في المنطقة، كون بقاء اليمن موحداً هو مطلب استراتيجي، كونه مرتبطاً بمنظومة أمن دول الخليج.
وما يجعل المشهد اليمني يثير كثيراً من التساؤلات وما يؤكد لك خطورة الوضع هناك هو في تفاعل المجتمع الدولي حيث طالب بيان مجلس الأمن الحوثيين بتسليم السلاح الذي نهبوه في عمران ومغادرتها والالتزام بوقف إطلاق النار وهدد بعقوبات من يعرقلون العملية السياسية، إلا أن الغريب أن واشنطن لم تتحمس بإدراج الحوثيين ضمن الجماعات الإرهابية رغم انه كان محل إجماع دولي بل وقيل إنها عارضت إدراج أسماء كبيرة متورطة ولها حصانة. على أي حال، تبين ان جماعة الحوثي أو الظاهرة الحوثية تستغل العصبية المذهبية في تحقيق مصالحها بقوة السلاح في ظل غياب مزمن من قبل الدولة وسلطاتها. ورغم وجود تجانس مجتمعي منذ زمن بين الشيعة والسنة في اليمن، إلا انه في السنوات الأخيرة وفي عمق زمن الخلافات تكون اللعبة السياسية مرتكزة على التوظيف السياسي للمذهبية، فيتم استغلالها كغطاء لتحقيق الهدف المنشود هذا إذا لم يتجاوز الأمر إلى ما هو أصعب كما يحدث الآن في عمران. وفي تقرير لجريدة الشرق الأوسط انتقد المواطنون الذين التقتهم أسلوب الحوثيين في فرض طقوس دينية في مناطقهم، تتعارض مع المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه معظم أبناء المنطقة، وهي طقوس شيعية اثنا عشرية.
وخلال جولتها في المحافظة، التقت مواطنين مسلحين بين مؤيد ومعارض لوجود الحوثيين. لكن «ع. أ» أكد لها أن "غالبية الناس الذين يعلنون تأييدهم لجماعة الحوثي هم من أتباع وأنصار حزب المؤتمر الشعبي العام (الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح)". والملفت أن المدينة حسب الصحيفة لم يعد بها سوى ما يزيد أو يقل عن خمسة آلاف نسمة فقط بعدما كانت تضم أكثر من 120 ألف نسمة.
على أن السلطة السياسية يجب أن تكون منتجة ويفترض فيها البناء لا الهدم، إلا انه في الحالة اليمنية جاءت لتكشف عن مرحلة ما بعد الاستعمار الذي كرسته الأنظمة العربية العسكرية الأوتوقراطية، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على وضع المواطن اليمني. ومع ذلك فانتهاء حكم صالح لم يؤد إلى انتهاء الأزمة، لأنه كانت هناك تحديات قائمة لم يستطع النظام الحالي برغم محاولاته المستمرة على مواجهتها بسبب تدخلات وتأثيرات من فلول وعناصر وقيادات من النظام السابق لا ترغب في استقرار البلاد وتنفيذ بنود الحوار الوطني. ورغم أن المبادرة الخليجية التي تم التوقيع عليها في الرياض جاءت كخارطة طريق وحل وحيد وأخير لإيجاد مخرج للازمة، إلا انه كما يبدو ان بعض الأطراف وهي من وقعت عليها لم تلتزم بها أو لم ترد أن تفعل ذلك.
أذكر أنني قبل بضع سنوات كنت مشاركاً في ندوة حول اليمن نظمها مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة وقد تزامنت آنذاك مع ذروة اشتباكات القوات السعودية مع الحوثيين وقد قلت وقتها إن تنظيمي الحوثي والقاعدة هما أخطر ما يهدد استقرار وأمن اليمن مستقبلاً، وذكرت أن اليمن بحاجة إلى قراءة جديدة لمعالجة مخاطر التقسيم، كأن يتم التفكير أو دراسة الانتقال إلى الفيدرالية كحكم محلي واسع الصلاحيات يحقق الاستقلالية للمحافظات ويحافظ على وحدة البلاد بشمالها وجنوبها في ذات الوقت. طبعاً هذا لم يرق لبعض المعلقين واتهمني بعضهم بأنني ضد مصلحة اليمن بل والقومية العربية كما زعموا لأنه تفتيت للأمة. وتدور الأيام وهاهم اليمنيون يطرحون بأنفسهم مشروع الفيدرالية لأنهم اقتنعوا بأنها المخرج لكل أزمات اليمن.
ومع ذلك نقول إنه بالرغم من محاولات الرئيس الحالي وإصراره على مواجهة التحديات من ملف الإرهاب ومخاطر التقسيم. إلا أن الإشكالية تكمن فيمن يلعب دور المشاغب حيث تلحظ لكل طرف مصلحة محددة فالحوثي يعتزم تحقيق حلمه بتأسيس مملكة إمامية شيعية في الشمال، والحراك الجنوبي يرغب في يمن جنوبي مستقل وإيران تهدف إلى محاصرة السعودية وزعزعة استقرارها. ولذلك سبق أن أشرت إلى الخشية من أن تتلاقح السلفية المتشددة في الجنوب، مع الشيعة الزيدية في الشمال لتتخلص من الشافعية في الجنوب وبالتالي يتم الانفصال وشطر اليمن إلى ثلاثة أقسام، ناهيك عن تحول مأرب وصعدة إلى موطن للإرهاب. ويبدو أن المشهد الراهن يتطابق مع تلك الصورة.
صفوة القول إن الجلوس على طاولة الحوار الوطني وتغليب مصلحة الوطن ورفض التدخل الخارجي هو ما يحتاجه اليمن لاسيما في هذا الظرف الدقيق، فانزلاق اليمن يعني الفوضى وعدم استقرار دول المنطقة وتحوله بؤرة للإرهاب، ولذا المؤمل أن تلتزم كل الأطراف والقوى السياسية بما فيهم الرئيس السابق بتنفيذ بنود الاتفاقية الخليجية.
&
التعليقات