&إعداد: عمر عدس وصباح كنعان


من يقرأ تقارير وسائل إعلام غربية كبرى حول الحرب الدائرة في غزة، يتكون لديه انطباع بأن النزاع يدور بين طرف يمارس حقه في الدفاع عن النفس، هو "إسرائيل"، وطرف يطلق الصواريخ عشوائياً على سكان مدنيين، هو المقاومة . وقد انتقد كثيرون من الكتاب والباحثين في الغرب ذاته هذا التحامل ضد الفلسطينيين .
في موقع "ميدل إيست آي"، نشر الأكاديمي محمد المصري، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر في الولايات المتحدة، مقالاً حول هذا التحيز جاء فيه:
بدأ الصحفي لدى "سي إن إن" جايك تابر مقابلة أجراها حديثاً مع المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان ديانا باتو بسؤال من شقين: "لماذا تطلق المقاومة قذائف على مناطق سكنية "إسرائيلية"، وهل هناك أي فلسطينيين آخرين يحاولون وقفهم عن هذا العمل؟" .


وسؤال تابر الذي يلقي اللوم على المقاومة والفلسطينيين ويتجاهل الإطار العام للأحداث المتمثل بالحصار "الإسرائيلي" على غزة يكشف عن تحامل كل الإعلام الغربي تقريباً في تغطيته لمسألة فلسطين "إسرائيل" . وهذا الإعلام يصور "إسرائيل" على أنها الطرف الخيّر والمسالم، ويعطي صورة عن فلسطينيين متخلفين وميالين للعنف . ويمكن للمرء أن يتصور بسهولة الضجة التي كان الإعلام الغربي سيثيرها لو أن المقاومة هي التي قصفت مركزاً لتأهيل المعوقين، أو قتلت 18 فرداً من عائلة واحدة أو أربعة أطفال على شاطئ .
وتظهر دراسات أنه عندما ترتكب "إسرائيل" أعمالاً وحشية، كثيراً ما تجد وسائل إعلام غربية تبريرات لها، وأحياناً تتجاهل مثل هذه الأعمال كلياً . وكما كتبت الصحفية أمينة سليم، فإن محطة ال "بي بي سي" أصدرت تعليمات لصحفييها بأن يكتبوا تقارير إيجابية عن العنف "الإسرائيلي" في غزة خلال عملية شنتها القوات "الإسرائيلية" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وأسفرت عن مقتل نحو 200 فلسطيني بعد أن خرقت "إسرائيل" وقف إطلاق نار مع المقاومة .


ولو كان تابر، وال "بي بي سي" وصحفيون غربيون آخرون يحاولون فعلاً تقديم تقارير متوازنة كما يدعون، لكانوا تساءلوا لماذا تفرض "إسرائيل" حصاراً على غزة منذ ثماني سنوات، ولماذا أقامت ما وصفه مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جون هولمس ب "سجن كبير في الهواء الطلق" .


أو ربما يتساءلون حول ما استنتجه أبرز الخبراء الأكاديميين في العالم، وهو أن "إسرائيل" دائماً تعطل المبادرات السلمية، وتحتل المرتبة الأولى في العالم في انتهاك قرارات الأمم المتحدة، وخرقت جميع اتفاقات وقف إطلاق النار في الآونة الأخيرة مع المقاومة، أو ربما يتساءلون لماذا فرضت "إسرائيل" نظاماً مماثلاً للفصل العنصري كجزء من احتلالها غير المشروع للأراضي الفلسطينية طوال 47 سنة .
وفي موقع "كومون دريمس"، تحدث الكاتبان نورمان سولومون وآبا سولومون عن افتتاحيات صحيفة "نيويورك تايمز" المؤيدة ل "إسرائيل"، وكتبا في مقال يقولان:
في 19 يوليو/ تموز، وجهت "نيويورك تايمز" رسالة واضحة: القتل الجماعي للمدنيين مقبول إذا كان الجيش "الإسرائيلي" هو الذي يقوم بالقتل .


وفي افتتاحية بعنوان "حرب "إسرائيل" في غزة"، قالت الصحيفة الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة إن مثل هذه المذبحة لم يكن مفر منها . وسعت تلك الافتتاحية إلى تبرير ما تفعله "إسرائيل"، إذ قالت:
"بعد 10 أيام من القصف الجوي، دفعت "إسرائيل" بدبابات وقوات برية إلى غزة من أجل منع المقاومة من دك المدن "الإسرائيلية" بالقذائف وشن هجمات إرهابية عبر أنفاق تحت الأرض" . وأبشع ما في افتتاحية الصحيفة هو انتقاصها من قيمة أرواح الفلسطينيين في تناقض صارخ مع قيمة أرواح "الإسرائيليين" . فحسب الافتتاحية، قادة المقاومة "يستحقون الإدانة" بسبب أعمال عسكرية قاموا بها انطلاقاً من مناطق مدنية في قطاع غزة ذي الكثافة السكانية العالية . ولكن الافتتاحية خلت من أي انتقاد للقصف "الإسرائيلي" الذي يستهدف البيوت، والمباني السكنية، والمستشفيات ومناطق مدنية أخرى .