&شمسان بن عبد الله المناعي

يأتي موسم حج هذا العام لكي تكون له خصوصية عند المسلمين في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب التي نشرت الرعب والخوف في العالم، وفي العالم الإسلامي على وجه الخصوص، أي سمعة تلك التي ألصقتها الجماعات الإرهابية المتأسلمة بالإسلام والمسلمين، التي أعطت للغرب صورة سلبية عن الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو للسلام والأمن والمحبة، فها هم إرهابيو جماعة «داعش» الذين وضعوا العالم على فوهة بركان يرفعون الرايات السوداء بيد ويمسكون برؤوس الأبرياء باليد الأخرى.


ويشاء الله أن يأتي حج هذا العام متزامنا مع تصاعد أعمال الإرهاب وحرب التحالف الدولي عليه، ليكون لهم الحج بلسما وليخفف عنهم ما هم فيه. يا لها من مفارقات بين فلسفتي الحج والإرهاب. إن ركن الحج فريضة الله على المسلمين لكي يحقق لهم غاية هذا الدين وهي التوحيد، وهو إدخال الأمة المسلمة في تجربة التوحيد والوحدة، أي بصورة فعلية وليس من خلال مجرد الدعوة والحثّ على ذلك، فمن خلال مناسك الحج عندما يرتدي الحجاج لباسا واحدا وهو لباس الإحرام ويطوفون حول الكعبة المشرفة، ويقفون على جبل عرفات ويرمون الجمرات في زمان ومكان محددين، فإن كل هذه المناسك تعطي دلالات الوحدة والتماسك، وهو ما لا مجال فيه للشعارات الحزبية أو التجمعات الطائفية أو الاستقطابات السياسية، بل فيه براءة من كل مبدأ يخالف نهج الكتاب والسنة، لا فرق بينهم في الجنس واللون، ومن هنا تكون فريضة الحج هي الفريضة التي ترعب من يريد بهذه الأمة الشر.
إن الإسلام بريء من الإرهاب والإرهابيين ومن الدول التي اخترعت الإرهاب مثل إيران وإسرائيل والنظام السوري و«حزب الله». إن بداية الإرهاب المنظم كانت منذ أربعين عاما منذ عهد الرئيس الأميركي نيكسون الذي أسقط أميركا في المستنقع الفيتنامي، وذلك عندما فاجأ الأميركيين والعالم بعد ستة أشهر فقط من توليه مهام منصبه كرئيس، بمبادرته المثيرة التي سجلها تاريخ الولايات المتحدة الحديث والتي عرفت باسم «الفتنمة» لكي ينتشل أميركا من هذا المستنقع. كانت أجواء أميركا وقتها ملبدة بتوتر حاد بسبب تصاعد حرب فيتنام وتساقط الجنود الأميركيين بأيدي ثوار «الفيتكونغ» في أدغال جنوب شرقي آسيا. كان هذا المبدأ يقوم على سياسة أنه بدل أن تبعث أميركا بجيوشها إلى مناطق «التمرد» في العالم عليها أن تضع لها من ينيب عنها في تحقيق أهدافها وتمده بالسلاح والمال، وهذا بالفعل جرى عندما جعلت من إسرائيل حليفها الاستراتيجي الذي لا تتخلى عنه لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، وكذلك عندما جعلت من الشاه في إيران شرطي الخليج الذي يحفظ لها الأمن في منطقة حيوية من العالم وهي منطقة الخليج العربي.


واليوم يعيد التاريخ نفسه وتكون أميركا لها من الجماعات الإرهابية التي تنوب عنها، ولكن الرياح أحيانا تأتي بما لا تشتهي السفن، وهذا ما اعترفت به هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في مذكراتها باعترافها أن أميركا هي من أوجدت تنظيم القاعدة الذي قاتلته فيما بعد في العراق وأفغانستان وغيرهما من البلدان، ولذا ليس من المستبعد أن أميركا هي من أوجدت «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من الجماعات الإرهابية.
وفي دراسته المهمة بعنوان «البنية الإرهابية لـ(القاعدة)» يشرح أندرو جافن مارشال أن علاقة أميركا وأوروبا بالعالم الإسلامي تقوم على فكرتين رئيسيتين؛ الأولى: فتح جروح التنوع الطائفي والعرقي في المنطقة لكي يقاتل الناس بعضهم بعضا بعيدا عن التحالف في مواجهة المصالح الغربية. والثانية: استمرار تطوير توظيف القوى المتطرفة للإسلاميين في مواجهة الاتحاد السوفياتي (سابقا) عدو الغرب. وهذه السياسة تبدو واضحة في سوريا الآن: دع هذه القوى المتطرفة التي أوجدناها تقاتل بعضها بعضا حتى تفنى. وعندما انقلب السحر على الساحر بظهور «داعش» وامتد نفوذه إلى العراق استيقظت أميركا وقامت بضرب «داعش» بالطائرات في العراق، بينما عندما كانت «داعش» في سوريا لم تقم أميركا بأي عمل ضد هذه الجماعات المتطرفة.. لماذا؟


سيبقى الإسلام شامخا على مر العصور، فهو الثابت وما عدا ذلك زائل أو متغير لا محالة، ويبقى ركن الحج ما بقيت هذه الحياة الدنيا موسما عظيما، تتجسد فيه وحدة المسلمين في أبهى مظاهرها وأجمل حللها، حيث تذوب الفوارق، وتتلاشى الحواجز، ويجتمع المسلمون في مشهد جليل، يبعث على السرور، ويسعد النفوس ويبهج الأرواح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولا ننسى أن نقول شكرا للمملكة العربية السعودية التي توفر في كل عام الخدمات والتسهيلات للحجاج وفي كل موسم حج نرى هذا التطور يسير نحو الأحسن.