زهير قصيباتي
&
المنطقة العازلة أو الآمنة حلم قديم لكثيرين من السوريين والمعارضين، توقّف أمامه الغرب، وما زال يتأمله. عازلة تمنع هجمات النظام، بالبراميل والكلور وغيرها، وآمنة للذين ينزحون إليها طلباً للرحمة.
&
الغرب تمنّع، لكن إيران وحدها استجابت!... وفي مكان آخر هو العراق، حيث النظام يترعرع تحت قبعتها ووصايتها، ولكن عازلة لمَنْ؟ لتنظيم «داعش» وإخوانه الإرهابيين، يقول قائد القوات البرية الإيرانية أحمد رضا بوردستان، مفتخراً بأن هؤلاء لن يمكنهم الاقتراب من إيران... داخل أراضي العراق.
&
كانت حلماً لتركيا أيضاً تلك المنطقة العازلة، شمال غربي سورية. تلقفت طهران زمام المبادرة، لتضيّق الخناق على البغدادي، ولو على حساب بغداد والسيادة العراقية. وقد تعتبر إيران أن من حقها أن تقاتل العدو خارج أراضيها، لمنع وصوله إليها، تكراراً لطروحات «حزب الله» حول صدّ «التكفيريين» على الأراضي السورية لئلا يصِلوا إلى لبنان. وهم وصلوا.
&
يفكّر الآخرون، إيران تنفِّذ، ولعلها لم تستأذن الحكم العراقي إعلان المنطقة العازلة ذات الأربعين كيلومتراً من أراضي بلاد الرافدين، أو انتزعت موافقته بصمت. وما الحائل أو المُحرِج ما دام مئات من «المستشارين» العسكريين الإيرانيين وعشرات من قادة «الحرس الثوري» وآلاف من عناصره، يؤازرون «أبو الفضل العباس» لرد جميله حين كان يقاتل أعداء نظام بشار الأسد في سورية.
&
ولن يكون غريباً أو مدهشاً، أن نسمع بالخبرات التي تكتسبها طائرات بلا طيار، يرسلها المرشد علي خامنئي، لرصد مواقع الإرهابيين «الدواعش» في العراق، وتقديم المعلومات «هدية» للمقاتلات الأميركية، تسهّل مهمتها. سقطت إذاً نظرية تقسيم المهمات بين واشنطن وطهران لمطاردة رجال «أبو بكر البغدادي»، فما يحصل على الأرض وفي الجو، شراكة استراتيجية كاملة بين الولايات المتحدة وإيران، لذلك قلما باتت تعلن أعداد الغارات التي يشنها الطيران الحربي لأي دولة عربية منضوية في الحرب على «داعش». غيّرت الرياح الإقليمية و «أبوّة» خامنئي «الشيطان الأكبر»، فبات البغدادي أكبر منه... و «الإمبريالي» شريك مصالح.
&
مرة أخرى، قد لا يجدي السؤال: لماذا يمتنع العرب عن حماية مصالحهم، ويلومون الآخرين في ابتلاع حقوقهم؟... والحال أن كل ما فعلته إيران منذ انطلاق شرارة «الربيع العربي»، أنها سرّعت خطى تصدير خططها ومشاريعها إلى الإقليم، بأدوات وفيّة لطموحات المرشد. فليصدّق من يصدّق حين يسمع البيان الإيراني عن الحرص على وحدة العراق وقوة جيشه وتسليحه، فيما الجيش يبتلع «العقيدة العسكرية» التي يباركها المرشد. ويبتلع معها أي قرار قد تتخذه طهران لتوسيع أحزمة الأمن حول حدودها المترامية مع العراق.
وبين إيران وتركيا، فارق وحيد كبير: أن الأولى نجحت في مد أصابعها إلى حيث كانت تطمح، بين بحر قزوين والبحر المتوسط والبحر الأحمر، ومن مضيق هرمز إلى شط العرب. أما شراسة الرئيس رجب طيب أردوغان في التعاطف مع السوريين المنكوبين بالإبادة وبالوصاية الإيرانية على «قلب العروبة»، ومع الفلسطينيين في فصول محنتهم الكبرى على أرضهم، من القدس إلى غزة، فلم تدرأ عنهم الذل، ولا أوقفت جريمة الصمت الغربي... ولا أخافت إسرائيل بالعضلات التركية.
&
بداهة، لا إيران، ولا تركيا أو إسرائيل وأميركا، جمعيات للبر والإحسان، وبديهي كذلك أن جَلْد الذات لم يبرأ معه أي جرح عربي. العجز العربي من ملامح المنطقة، أدركت ذلك إسرائيل مبكراً، وعلى خطاها أنقرة وطهران. ولكن، هل هي مجرد مصادفة إعلان الإيراني توسيع نطاق أمنه أربعين كيلومتراً اقتطعها من أراضي العراق «افتراضياً» لئلا يقترب «داعش» من حدوده، فيما جريمة غاز الكلور الجديدة في سورية، لا تستوقف أحداً أمام الحرب المنسيّة؟
&
اللاجئون الهاربون من جحيم البراميل والغاز، أعدادهم ملايين أطاحت مرتبة الأفغان على قوائم النزوح في العالم. وما المشكلة، ألا يجدر بهم الرهان على سيناريو الروس في حوار العميان في موسكو؟
&
بين عميان وطرشان و «جهاديين» ضد جميع المسلمين، تتربع إيران على عرش «المظلومية» لمد جناحَيْ التشيُّع السياسي، يفرد أردوغان جناحَيْ تركيا على الإسلام السياسي ولا ينقذه... تهرب إسرائيل إلى يهوديتها بذريعة مواجهة طوفان الجيران المتعصبين.
&
يحصي جيران العرب أوراقهم، فيما العرب يتأملون زحف الأطلال، ويحذّرون، ولكن مَنْ؟ بين مشاريع الإمبراطوريات من حولهم، يتنقّلون بين التلاعب بمفاهيم الدين لإنشاء كيانات لعصابات سياسية، وبين التلاعب بالسياسة لتركيع شعوب الغاز والكلور، و «رعايا البغدادي»... بخرافة «خلافة» لا تخلّف سوى الرماد وأنهار من دماء.