&

&

&

فتحي سلامة

&

&لم يكن التفجير الانتحارى الذى وقع فى مقهى بشمال لبنان منذ أيام سوى حلقة فى سلسلة طويلة من الاعمال الإرهابية الناجمة عن تداعيات الأزمة السورية.

وهذا التفجير يوضح ببساطة كيف أصبح لبنان فى قلب الحرب السورية، فالحادث وقع فى مقهى بمنطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية، ونفذه انتحاريان من جبهة النصرة «بعملية استشهادية مزدوجة ثأرا لأهل السنة فى سوريا ولبنان» حسبما جاء فى «التغريدة» التى تبنت فيها الجبهة عبر تويتر الانفجار.
وهو ماحدا بوزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق إلى القول بأن سنة 2015 ستكون صعبة على لبنان بسبب الأزمة السورية القائمة منذ حوالى 4 سنوات.

لكن كثيرين يرون أن تدخل حزب الله مباشرة إلى جانب النظام فى الصراع بسوريا كانت بداية التورط اللبنانى فى تلك الأزمة، خاصة بعد أن نجح فى مساعدة الجيش السورى على استعادة كثير من المناطق بعد معارك طاحنة مع المعارضة والجماعات التكفيرية، استغل فيها خبراته القتالية العالية.

ووفقا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فقد تولى «حزب الله» أربعة أنواع من المهام العسكرية فى سوريا هي: مهمة تدريبية لقوات النظام النظامية وغير النظامية فى المناطق الحضرية، ودور استشارى فى القتال مع قوات النظام، عمليات »توفير الدروع«، بإمداد مكونات تعزيز رئيسية من قوات التحالف العراقية/الشيعية، كما فى ضواحى دمشق؛ وعمليات قتالية مباشرة فى ساحات المعارك الرئيسية، كما حدث فى القصير. وعلى عكس ما يجرى فى لبنان، يشارك «حزب الله» فى سوريا فى حرب تحالفٍ معقدة تتضمن عمليات مشتركة وموحدة، كما أن طبيعة الحرب التى يخوضها النظام السورى تتطلب من »حزب الله« العمل مع مختلف أنواع القوات كالقوة الجوية للنظام وقوات المتطوعين العراقيين غير النظاميين مثل «لواء أبو الفضل العباس».

وقد أدى تدخل حزب الله فى سوريا إلى عدة حوادث عنف متعددة فى لبنان كان أبرزها تفجير سيارات ملغومة فى بيروت وطرابلس ومعارك بالرصاص فى الشوارع وإطلاق صواريخ على سهل البقاع فى شرق البلاد، بعد تدخل الجماعات السنية الجهادية المناوئة للحزب ومحاولتها ضرب معاقله فى لبنان.

كما أن بعض المجموعات المنتمية للنصرة والقاعدة وداعش بدأت تنشط فى شمال لبنان وعلى الحدود مع سوريا، واستطاعت اختطاف عسكريين لبنانيين وقتل بعضهم ومساومة الحكومة اللبنانية على الآخرين.

وهى تعمل الآن على التوسع فى لبنان وخصوصا فى مدينة طرابلس التى تعانى من العنف وضعف سلطة القانون منذ بدء الأزمة السورية.

وعلى المستوى الاقتصادى اشارت دراسة للبنك الدولى صدرت مؤخرا الى ان خسارة لبنان من جراء الحرب فى سوريا وتدفق النازحين هى 7,5 مليار دولار، وذلك للفترة الممتدة من 2011 وحتى مايو الماضى، وهذا الأمر أدى الى خسائر كبيرة فى الأرباح، الضرائب، الاستهلاك الفردى والاستثمارات، ودفع 170 ألف لبنانى الى ما تحت خط الفقر، وضاعف البطالة الى ما يزيد على 20 بالمائة، ورفع الإنفاق الحكومى بـ1٫1 مليار دولار سنويا من جراء زيادة الطلب على الخدمات العامة (الكهرباء، المياه، الصحة، التعليم وغيرها).

إلى جانب مشكلة اللاجئين الفارين من سوريا إلى لبنان والذين يقترب عددهم من مليون ونصف مليون لاجئ ، أى أكثر من ربع عدد سكان لبنان، وهى محطة قاتمة فى الأزمة تفاقمت بسبب سرعة نضوب الموارد ووصول قدرة المجتمع المضيف إلى حافة الانهيار. فبعد ما يزيد على ثلاث سنوات على بدء الصراع فى سوريا، أصبح لبنان البلد الأعلى كثافة باللاجئين فى العالم، ويصارع لمواكبة أزمة لا تبدو عليها علامات التباطؤ.

ويشكل الأطفال نصف عدد اللاجئين السوريين فى لبنان، ويتجاوز عدد الأطفال فى سن المدرسة 400ألف طفل وهو أعلى من عدد الأطفال اللبنانيين فى المدارس العامة، وقد فتحت هذه المدارس أبوابها لنحو 100 ألف لاجئ، لكن القدرة على استيعاب المزيد باتت محدودة للغاية.

إن أكثر من يشعر بالعبء المباشر جراء تدفق اللاجئين هو المجتمعات المحلية، حيث تجاوز حالياً عدد اللاجئين السوريين فى العديد من البلدات والقرى عدد اللبنانيين امكانيات الإستيعاب، وباتت قدرات البنية التحتية الحيوية على شفير الانهيار، ليطال تأثيرها اللاجئين واللبنانيين على حد سواء. كما ضعفت بشدة إدارة الصرف الصحى والنفايات، ولم تعد العيادات والمستشفيات قادرة على تحمل الضغط فى الوقت الذى نضبت فيه إمدادات المياه، أما الأجور فهى فى انخفاض بسبب ارتفاع العرض من العمالة، مما دعا السلطات اللبنانية إلى فرض تأشيرة دخول على السوريين لأول مرة فى التاريخ، لمحاولة الحد من اللاجئين.

ويبدو واضحا الآن أن لبنان هو أكبر من دفع ثمن الأزمة السورية، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا، وأن الأزمة السياسية اللبنانية الخاصة بالفشل فى انتخاب رئيس لبنانى جديد حتى الآن، هى من تداعيات الأزمة السورية، وبالتالى فإن الارتباط بين حل الأزمتين سيكون كبيرا وعميقا.

# كلمات:

عليك لكى تعرف ما يفكر فيه الناس حقاً أن تنتبه إلى ما يفعلونه، لا ما يقولونه.

رينيه ديكارت
&