عبير العلي
علينا كشعب أحب عبدالله لإنسانيته وصدق محبته لشعبه ألا نخذل ظنه فينا حينما قال: "الشعب السعودي واع يفهم ما له وما عليه، لأنه من الإسلام وإلى الإسلام، وخادم للإسلام، وهذه ولله الحمد ميزتكم"
&
كل كلمات الفقد لن تصف حجم الحزن الذي أصاب الشعب السعودي ليلة إعلان خبر وفاة الملك المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وأي عزاء لا يُخفف هذا المُصاب في فقدان والد الجميع إلا ما لمسناه من اجتماع للقلوب على محبته والدعاء له، واجتماع للرأي في اختيار خليفته وانتقال ميّسر للسلطة الذي قد رتب له الفقيد الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز" مبكرا بتأسيسه هيئة البيعة في أكتوبر 2006، التي من أهم مهامها تحقيق مثل هذا الانتقال السلس.
لقد كان لعبدالله بن عبدالعزيز دور سياسي كبير في تخفيف الاحتقان في مناطق الجوار المتناحرة، وبينما كانت عينٌ تراعي مصالح الداخل؛ كانت عينٌ أخرى تحرص على أن تبقى المملكة العربية السعودية في دورها السيادي العالمي. وقد امتاز في فترة حكمه -رحمه الله- بحرصه الشديد على مكافحة الإرهاب والمتطرفين على أراضي السعودية وخارجها، وتمثل ذلك في أمور عدة منها إعلانه عن وضع منظمات عالمية عدة كـ"القاعدة" و"داعش" و"الإخوان" ضمن الجماعات الإرهابية التي يعاقب من ينتمي إليها أو يتعاطف معها بأي شكل من الأشكال، وافتتاحه مركزا لحوار الأديان في فيينا، وانضمام المملكة إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" وتحذير العالم منه إن لم يتخذ ضدهم إجراءات حاسمة تقضي عليهم وعلى محاولات انتشارهم في مختلف البلاد.
ولا ننسى تدخله الأخير العظيم في المصالحة الخليجية وإعادة الوئام بين دول الخليج.
ومع هذه الصراعات والثورات المحيطة بنا لم يتأثر الدور الاقتصادي الريادي للمملكة، بل حافظت على حصتها في سوق النفط الدولي، وانضمت في وقت يسبق هذه الأزمات إلى منظمة التجارة العالمية عام 2005، وأعلن في قمة العشرين عام 2008 عن رصد المملكة لمبلغ 400 مليار ريال لمجابهة الأزمة المالية العالمية، وحرصا على دعم واستقرار الاقتصادي الداخلي للمملكة أصدر قرارات عدة كالإعلان عن إنشاء مدن صناعية واقتصادية عدة، وزيادة رواتب موظفي الدولة 15%، وإضافة بدل لغلاء المعيشة لجميع الموظفين الحكوميين، واستمر دعم السلع الأساسية، وخُصص مبلغ 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية في جميع مناطق المملكة. وامتدت إنجازات الملك عبدالله، رحمه الله، لتشمل أهم الجوانب المؤثرة في تنمية الوطن والمجتمع وهو التعليم؛ فأطلق المشروع الشامل لتطوير التعليم العام، وافتتح الكثير من الجامعات وعلى رأسها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" الرائدة في مجالاتها العلمية والبحثية، وأطلق مشروعه للابتعاث الخارجي مع توسع سنوي يشهده، وزيادة رواتب الطلبة المبتعثين 50%.
وأنشئت في عهده، مشاريع وطنية وهيئات عدة تعنى بخدمة بعض القطاعات ومصالح الوطن كإنشاء هيئة خطوط الحديد، وشركة المياه الوطنية وجمعية حماية المستهلك، وهيئة مكافحة الفساد المرتبطة بالملك مباشرة. ولا ننسى دوره الفاعل والمؤثر في حياة المرأة السعودية وتمكينها من المشاركة القيادية والاجتماعية والعملية أكثر بإدخالها للمرة الأولى تحت قبة مجلس الشورى ومنحها 30 مقعدا فيه، وإقرار مشاركتها في المجالس البلدية كناخبة ومنتخبة، وإقرار تأنيث العمل في بعض المحلات التجارية الذي تمكنت معه الكثير من الفتيات الحصول على فرص عمل جيدة.
ومن أهم ما قام به فقيدنا الراحل البدء في أكبر توسعة للحرمين الشريفين، وإنشاء مشاريع لتسهيل الحج على ضيوف الرحمن كجسر الجمرات الجديد وقطار المشاعر للربط بين مكة ومنى وجبل عرفة ومزدلفة.
وحرص على تنظيم العشوائية التي كانت تحدث في الفتوى وأمر بحصرها على هيئة كبار العلماء، وأقر نظاما للقضاء، وأمر بالبدء في وضع مدونة للأحكام الشرعية كنواة لتطوير القضاء وتقنين الأحكام.
إن مناقب الملك الفقيد وإنجازاته أكثر من أن تُحصى الآن، سواء تلك التي كانت قبل توليه الحكم أو خلال فترة حكمه التي عُرفت بالإصلاح والبناء والتجديد، ولا يمكن حصرها فيما ذكر أعلاه، فقد كان رحمه الله في محاولات دؤوبة لتأسيس دولة مدنية وحقوقية تستطيع الوفاء بمتطلبات الشعب المحلية، والظهور بشكل يليق بمكانتها الدينية والسيادية في العالم.
والواجب على كل مواطن غيور على مصالح وطنه، حريص على نمائه واستقراره أن يقف يدا بيد مع القائد الجديد، وأن يكون فاعلا في استمرار ما بدأه السابقون وبذلوه في سبيل بناء هذا الوطن وتطويره وازدهاره، وأن يكونوا بصدقهم في انتمائهم إلى وطنهم ومحبتهم له سدا منيعا أمام كل من يحاول أن يهدم هذا الصرح المتماسك من الخونة والمرجفين والخوارج، الذين يحاولون كخفافيش ظلام استغلال المواقف المفصلية في مسيرة هذا الوطن لبث الفتن والتفرقة والإشاعة، وأن نحرص قيادةً وشعبا أن نكمل مسيرة التنوير والإصلاح التي بدأها رحمه الله، وسيكملها خلفه الصالح الطموح الملك سلمان بن عبدالعزيز.
علينا كشعب أحب عبدالله لإنسانيته وصدق محبته لشعبه ألا نخذل ظنه فينا حينما قال: "الشعب السعودي واع يفهم ما له وما عليه ويُقدر موقفه فعلا، لأنه من الإسلام وإلى الإسلام، وخادم للإسلام، وهذه ولله الحمد ميزتكم".
رحم الله عبدالله بن عبدالعزيز، وأحسن عزاءنا فيه، وأبدله دارا خيرا من داره وجبر قلوبنا على فراقه، وعوضنا خيرا فيمن خلفه وجعل التوفيق والسداد حليفه، والأمن والاستقرار والنماء نصيب وطننا الغالي دائما.
&
التعليقات