محمد خروب
&
لم يتريث حزب الله لحظة واحدة، بعد تنفيذه العملية «المُركّبة» (ولكن الناجحة والصاعقة لإسرائيل)، في مزارع شبعا، فقام بتبنّيها عبر البيان رقم «1» وبإسنادها إلى مجموعة «شهداء القنيطرة» في تذكير لمن نسي (في إسرائيل) بعملية اغتيال جهاد مغنية وخمسة من كوادر حزب الله قبل أسبوعين، وجنرال إيراني كان ضمن المجموعة ولفت إعلان إيران عن مقتله نظر المجتمع الدولي إلى «ندرة» اعتراف إيراني بمثل هذه «الحوادث» ما أثار المخاوف، بأن طهران قد عقدت العزم على الانتقام سواء بوسائلها الخاصة والمباشرة أم من خلال التنسيق والدعم لحزب الله، الذي كان الجنرال ضمن موكبه في الجولان المحتل وغير بعيد عن مراكز المراقبة الإسرائيلية في جبل الشيخ.
&
موكب مقابل موكب، هكذا بدت المعادلة يوم أمس، إذ استهدف مقاتلو حزب الله موكباً عسكرياً إسرائيلياً، تماماً كما استهدف المُحتلّون موكب حزب الله في الأراضي السورية، ولأن نتنياهو يخوض معركة انتخابية ساخنة قد تُفضي إلى نهاية مستقبله السياسي، فإنه كما استثمر عملية القنيطرة وتبجّح مقربون منه وخصوصاً الصحيفة الناطقة باسمه (إسرائيل اليوم) التي أكدت قيام إسرائيل بهذه العملية، فإنه الآن (نتنياهو) بات الآن أمام الاختبار، الذي أراد وضع حزب الله (كما سوريا وإيران) أمام اختبار قاس، ظن أن ردّاً من «محور الشر» هذا لن يكون، لأنه «متورط» في حروب عديدة ولا مصلحة له في حرب شاملة (على ما ردّد كثيرون في إسرائيل) وأن رد حزب الله لن يختلف عمّا كانت مواقفه إزاء غارات وعمليات إسرائيلية عديدة، بدءاً من اغتيال عماد مغنية وليس انتهاء بتصفية مسؤول تطوير الوسائل القتالية في الحزب، حسن اللقيّس.
&
المشهد اختلف الآن، ولم تعد ثمة محظورات أو خطوط حمراء، فالحزب تبنّى العملية صراحة، ولم يقل أنها رد على استهداف كوادره في القنيطرة وانتهى الأمر، بل ترك المواجهة مفتوحة وأبدى استعداده لمواجهة كافة الخيارات عندما وصف البيان بأنه الرقم «ا»..
&
أين من هنا؟
&
يبدو ان نتنياهو هو المرتبك، والذي يظهر كمن اطلق النار على قدميه، بعد ان اراد ان يكرس نفسه «مستر أمن اسرائيل» وقام باعطاء الضوء الاخضر لجيشه، كي يصفّي موكب حزب الله قرب القنيطرة (مزارع الأمل) ظنا منه انه يرفع اسهمه في استطلاعات الرأي التي تُظْهِر تراجعه امام تحالف «هيرتسوغ–ليفني» ولم تنجح محاولاته في إبقاء الغموض على العملية عندما اعلن اسحق هيرتسوغ (رئيس حزب العمل المعارض) أن نتنياهو أبلغه بالعملية مُسبقاً ولكن بدون تفاصيل، بصفته زعيماً للمعارضة..
&
لم يتذكّر نتنياهو يوم امس (وقد وجد نفسه في خضم عملية انتقام قاسية ومُحْكَمة التخطيط والتنفيذ والجرأة)، شيئاً، سوى اطلاق المزيد من التهديدات وكلمات الوعيد، مُذكِراً بانجازات «بائسة» لجيشه، عندما ذكّر حزب الله بعدوان تموز 2006 وهو يعلم قبل غيره (وخصوصاً انه كان في المعارضة) أن جيشه قد هُزِمَ، وأن فشله كان ذريعاً، ولم يحقق اي إنجاز، لا على مستوى الردع ولا على الاكذوبة التي غدت اسطورة في نظر بعض العرب «بأن جيش اسرائيل لا يُقهر».
&
ماذا اذاً؟
&
نتنياهو زاد على «مثال» تموز 2006 العدوان على غزة المسمى «الجرف الصامد»، وهي حرب فاشلة ايضاً، حتى ان اكثر الاسرائيليين تشدداً وعدوانية يصفونها بالحرب «المتعادلة»، فهل أفلس نتنياهو؟ ام انه يريد تعزية نفسه وعدم توفير ريح إسناد لمعارضيه ومنتقديه، الذين سَيَرَوْن في ما حدث دليل على قِصَرِ نظر نتنياهو، ومغامراته غير المفيدة لأمن إسرائيل؟.. وبخاصة أن غارات جوية إسرائيلية مكثفة على مواقع الجيش السوري في الجولان، سبقت عملية حزب الله يوم أمس.
&
قصارى القول: إن نتنياهو الذي يتسارع تدهور علاقاته مع واشنطن، بعد أن دعاه رئيس مجلس النواب «الجمهوري» لالقاء خطاب في الكونغرس دون مشاورة البيت الابيض، والذي يُخْفِق في رفع شعبيته في استطلاعات الرأي، قد اقترب من الوضع الذي كان عليه شمعون بيرس بعد اغتيال رابين، فقام بتبكير موعد الانتخابات، وغامر بحرب على لبنان (عناقيد الغضب) انتهت بمجزرة قانا (عندما لجأ مدنيون لبنانيون الى معسكر لليونيفيل في جنوب لبنان)، فخسر بيرس لصالح نتنياهو، الذي جاء رئيساً للوزراء لأول مرة في العام 1997.
&
حزب الله من جهة اختار توقيتاً مناسباً للانتقام لشهداء القنيطرة، قبل ثمان واربعين ساعة من خطاب امينه العام (يوم غد الجمعة)، الذي كان سيرسم فيه معادلات الردع المتبادل مع اسرائيل، فاذا به يضيء على بعضها في «ردّ» يوم أمس، الذي يبدو انه لن يكون سوى بداية لحرب استنزاف متبادلة، أو نحو حرب متدحرجة، تلحظ عوامل اقليمية ودولية وخصوصاً اسرائيلية قبل استحقاق السابع عشر من آذار عندما تُفْتَحُ صناديق الاقتراع، «هذا إن لم يتم تأجيلها»، اذا ما نشبت حرب شاملة في المنطقة، وليس فقط بين إسرائيل وحزب الله.
التعليقات