بمناسبة فيلم جديد عن ليلة تصفية زعيم «القاعدة»

&محمد علي صالح


فجر فيلم سينمائي أميركي عن ليلة مقتل أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة نقاش، اشترك فيه صحافيون مرموقون، وعسكريون اشتركوا في عملية قتل بن لادن، وعملاء استخباراتيون خططوا للعملية، ومؤلفو كتب عن العملية، وعن بن لادن.


زاد النقاش موضوع غلاف في مجلة «نيويورك تايمز»، كتبه جوناثان ماهلار، مسؤول الشؤون الإعلامية في الصحيفة. وقال: «تدفن الحقيقة (عن قتل بن لادن) في أكوام من ازدواجية الحكومة الأميركية، وتقارير صحافية خرافية، وسذاجة من الشعب الأميركي لأنه لا يريد أن يشك في تفسير الحكومة، حتى شكًا ربما غير محتمل».
وأضاف ميلار: «ليست المشكلة أن الحقيقة عن وفاة بن لادن مجهولة. المشكلة أن الحقيقة موجودة، لكننا لا نعرفها. أيضا، يجب أن لا نعزي أنفسنا بأمل أن الحقيقة ستعرف في المستقبل القريب (لأنها يمكن ألا تعرف، ربما إلى الأبد)».
اشترك في النقاش غريغ ميلار، مسؤول الشؤون الإعلامية في صحيفة «واشنطن بوست»، الذي قال إن راي ماهلار «أخطأ» وأضاف: «نعرف كثيرا عن وفاة بن لادن. ونعرف كثيرا عن العملية التي أدت إلى وفاته». وكتب تفاصيل خلفية تاريخية، في تسلسل زمني، منذ قتل بن لادن، في مايو (أيار) عام 2011. وقال: «أكدت حقيقة قتل بن لادن أكثرية التفاصيل التي ظهرت منذ ذلك الحين في عشرات من التقارير الإخبارية، والكتب، والأفلام الوثائقية».


لكن، استدرك ميلار، وقال: «صحيح، تظل هناك أسئلة». وأشار إلى:
أولا: تفاصيل مطاردة بن لادن حتى قتله.
ثانيا: تفاصيل الغارة التي قتل خلالها.
ثالثا: من الذي أطلق أول رصاصة أصابت بن لادن.
رغم ذلك، قال ميلار: «تظل الحقيقة هي وجود اتفاق بأن قوات أميركية عسكرية خاصة قتلت بن لادن. وتشترك في هذا الاتفاق: حكومات معادية، ووكالات استخباراتية تتنافس وتتقاتل، وصحف وتلفزيونات وإذاعات تدقق في كل شيء».


صدقا أو كذبا، نشر ماهلار، صحافي «نيويورك تايمز» تفاصيل متضاربة عن الغارة التي قتلت بن لادن كما أوردتها وكالات الأنباء، والمجلات، والكتب، والأفلام. يمكن القول إن هذه التناقضات لا مفر منها، وإن الصورة الكبيرة هي الأهم. لكن، في نفس الوقت، يمكن القول إن هذه التناقضات تدل على أن الحقيقة تظل غير كاملة.


اشترك في النقاش سيمور هيرش، صحافي أميركي عريق، اشتهر، قبل خمسين عاما، عندما كشف مذبحة «ماي لاي» (ومذابح أخرى) ارتكبها الجنود الأميركيون خلال حرب فيتنام.
في بداية هذا العام، نشر هيرست ما يمكن أن يوصف بأنه «إعادة كتابة تاريخ قتل بن لادن». وقال إن الغارة التي قتلت بن لادن، وكل التطورات التي أعلنها العسكريون الأميركيون عنها ليست إلا «خدعة». يعتقد أنه اعتمد على عسكريين واستخباراتيين باكستانيين، وعلى مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وقال إن حقيقة قتل بن لادن تظل مغمورة في سنوات من العلاقات الخفية المضطربة بين الاستخبارات الأميركية والاستخبارات الباكستانية.


تصدى صحافيون كبار، وصحف ومجلات، لتفسير هيرش، وقوله: «تظل الحقيقة مدفونة». من بين هؤلاء صحيفة «فوكس» (ليس تلفزيون «فوكس») الإلكترونية. كتبت: «تعاني نظرية هيرش من عدم وجود أدلة واضحة تؤيدها. منذ أن نشرت، تنافست صحف وصحافيون في تشريحها. واتفقوا على وجود مشكلتين فيها:


أولا: قصور في المصادر.


ثانيا: خلل في المنطق الداخلي.


اشترك في النقاش مارك بودين، مؤلف كتاب «بلاك هوك داون» (سقوط النسر الأسود) عن هزيمة فرقة عسكرية أميركية في الصومال، كانت ذهبت، بأوامر من الرئيس السابق بوش الابن (عام 1991) لحماية تقديم مساعدات أميركية إلى الصوماليين، في خضم حرب أهلية. ثم وجدت نفسها جزءا من الحرب الأهلية. في وقت لاحق صار الكتاب فيلما سينمائيا.
في كتابه عن بن لادن، فصل بودين تفاصيل حياته، وتفاصيل قتله. لكن، اختلف هيرش مع بودين في تفاصيل قتل بن لادن. وانتقده انتقادا لاذعا، قال فيه: «لا يريد أي رجل أن ينهزم».
أول من أمس، دخل تلفزيون «سي إن إن» النقاش. وشن هجوما على ماهلار، صحافي صحيفة «نيويورك تايمز». وقال، على لسان بيتر بيرغن، خبير الأمن الوطني فيه: «تعتبر (نيويورك تايمز) أكبر الصحف العالمية على الإطلاق. لكنها وقعت في خطأ فادح عندما أفردت صفحاتها لما لا يقل عن 7 آلاف كلمة عن تفاصيل موضوع شاهدناه كلنا جيدا، ونعرفه، ونعرف تفاصيله بكل شفافية. أفردت صفحاتها لتشك في الموضوع، وهو أن أسامة بن لادن قتل في باكستان، حيث كان يختفي، بأيدي قوات عسكرية خاصة».
وأضاف بيرغن: «كان يمكن لهذا الجهد الكبير المبذول من جانب صحيفة (نيويورك تايمز) أن يبذل في كشف سر اختفاء بن لادن كل هذه السنوات حتى قتلته القوات الأميركية». وقال بيرغن إنه كان واحدا من بين «الآلاف حول العالم» الذين أثارهم العنوان المريب (في موضوع الغلاف في مجلة «نيويورك تايمز». ووصفه بأنه «عنوان لم يكشف عن أي شيء جديد». وسأل: «أين جهود هذه الصحيفة العظيمة في التحقيقات والتقارير الاستقصائية؟».


أمس الثلاثاء، سأل معلق في تلفزيون «فوكس»، خلال نقاش عن الموضوع: «هل تعرفون أن فيلما سينمائيا سيصدر عن دمار مدينة هوي، خلال حرب فيتنام، قبل خمسين عاما؟» وأجاب على سؤاله: «لن ينتهي موضوع بن لادن. توقعوا، بعد خمسين عاما، أن يصدر فيلم عنه، وأن يتكرر النقاش الذي نشهده حاليا».

&