رندة تقي الدين

أعطت زيارة رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالز الى مصر والأردن والسعودية صورة عن مدى غياب لبنان والحياة السياسية المعطلة فيه عن المحادثات السياسية التي اجراها فالز مع القيادات العربية التي التقاها. فلا شك في ان الحرب في سورية والتدخل الإيراني وزعزعة استقرار المنطقة اخذت حيزاً مهماً من المحادثات. ولكن لم يعد هناك أمل عند احد في البحث عن حل لتعطيل في لبنان. الجميع تحدث عن التأثير السلبي لإيران وعن دور «حزب الله»، وذلك بسب كثرة السلبيات في سياسة ايران في المنطقة ان كان في سورية او في اليمن او العراق. وكأن الوضع المعطل في لبنان اصبح امراً واقعاً في نظر الجميع. فلا احد يستطيع ان يفعل شيئاً لطبقة سياسية غير قادرة على تجاوز خلافاتها طالما أن جزءاً كبيراً من ذوي السلطة في لبنان يأخذ تعليماته من المرشد الإيراني وفريق «الحرس الثوري» المسيطر على الحكم في طهران.

&

صحيح ان جولة فالز على هذه الدول كانت ذات طابع اقتصادي بامتياز. ولكن الحديث عن سورية والتدخل الروسي والإيراني هيمن على المحادثات من دون الخوض في الوضع في لبنان. واللافت ان رئيس حكومة فرنسا يزور المنطقة للمرة الأولى واستثنى لبنان من جولته مع انه البلد الذي كان في الماضي مهماً لفرنسا، لأنه لم تعد للبنان حالياً اي اهمية اقتصادية. ولكن للإنصاف فالرئيس فرنسوا هولاند مهتم بلبنان الى درجة انه مصر على زيارته حتى في غياب رئيس فيه. وقد ارسل سفيراً الى لبنان مستشاره الخاص للشؤون العربية ايمانويل بون الذي يولي اهتماماً بالبحث عن حلول اكثر من اللبنانيين انفسهم. ولكن لسوء الحظ هناك وضع عالمي جديد فرضه باراك اوباما وهو تداعيات الاتفاق النووي مع ايران. فأوباما يدعو الى رفع العقوبات بسرعة عن ايران طبقاً لهذا الاتفاق وفي الوقت نفسه يصل فريق من آلاف عناصر «الحرس الثوري» الإيراني لحماية بشار الأسد الى جانب روسيا لقتل الشعب السوري. والآن معظم كبار ممثلي القطاعات الاقتصادية الأميركية والأوروبية موجودون في ايران بانتظار رفع العقوبات التي ستأخذ بعض الوقت وفق المسؤولين الاقتصاديين، فكيف يمكن ان تغير ايران سياستها في المنطقة في مثل هذا الوضع الجديد؟ فأوباما غير معني بالصحافي الأميركي جيسون رضائيان المسجون في ايران والذي اصبح رهينة الخلاف الداخلي في بين روحاني و»الحرس الثوري» الذي يعارض التقارب مع الغرب.

&

وفالز قال للصحافة التي واكبت جولته ان زيارة روحاني الرسمية الى فرنسا في ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ستفتح صفحة جديدة مع ايران وإن فرنسا عازمة على البحث عن اتفاقات اقتصادية مع هذا البلد. وقد يتم التطرق الى الموضوع اللبناني والتعطيل الرئاسي فيه خلال هذه الزيارة ولكن ليس هناك اي امل بتغيير سياسة ايران الإقليمية لأن ايران تشعر ان هيمنتها في المنطقة لا تزعج الأميركيين. ومكافأة الاتفاق النووي ستكون على حساب لبنان الذي سيبقى تحت نفوذ «حزب الله» ومعلمه الإيراني. وإيران لن تتنازل عن ذلك. والسؤال لماذا ستفعل ذلك والجميع في الغرب يهرول لعقد صفقات اقتصادية معها؟ فلبنان لم يعد في حسابات الدول الغربية حتى ولو زاره رئيس الحكومة البريطاني ديفيد كامرون في زيارة خاطفة ليأخذ صورة تذكارية مع اللاجئين السوريين كون موضوع اللاجئين اصبح في الواجهة في اوروبا. فالاهتمام الأكبر في الغرب هو بالتنافس لحصول على حصة من السوق الإيرانية، خصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية في أوروبا متدهورة وفي حاجة إلى اسواق جديدة. فقضية لبنان غائبة عن الساحة الغربية بل عالمياً سياسياً واقتصادياً.
&