عماد عبد الراضى
&
لا أُنكر أنى من أكثر السعداء بهذا السقوط المدوى لحزب النور السكندرى "مدعى السلفية" فى انتخابات البرلمان، ولا يتعلق الأمر بموقف سياسى، لكن سعادتى كانت لسقوط أحد معاقل الدعوة للتحزُّب والتفرق بين المسلمين باسم الدين.
وهذه هى الجناية الكبرى التى ارتكبها الإخوان وحزب الإسكندرية وغيرها من تلك الأحزاب الدينية، أن فرَّقوا المسلمين تحت الرايات والعصبيات باسم الدين، وأصبح الولاء والبراء ليس على الدين، وإنما على هذه الجماعة أو ذلك الحزب، مما أدى فى النهاية إلى تشتت المسلمين وتفرقهم على النحو الذى نعيشه الآن.
ولو تكلمت عن الموقف الشرعى لهذه "الجريمة" لاحتجت إلى كتب ومجلدات، لذا فقد آثرت أن أختار فقرة واحدة من خطبة "أيتها الأحزاب الدينية.. تراجعوا يرحمكم الله" لشيخى الدكتور محمد سعيد رسلان –حفظه الله- فلعلها تكون خير معبر عما أريد قوله.
يقول الشيخ: "الشخص الذى ينتمى إلى حزب من الأحزاب الإسلامية المعاصرة كحزب التبليغ أو الإخوان المسلمين أو التكفير والهجرة أو الدعوة السلفية ونحو ذلك، ويوالى ويعادى على هذا الحزب، فهذا لا يجوز أن يُقال إنه من أهل السُنَّة فى هذا الباب، فإذا أطلق عليه شخص أنه من أهل السُنَّة وسكت، فإن المُطلِق يكون بهذا الإطلاق قد أخطأ، لأن هذا الرجل بموالاته ومعاداته لهذا الحزب، أو بانضمامه إلى هذا الحزب، أو برضاه فى انتسابه إلى الحزب قد تلطخ بأوزار وأقذار هذه البدعة الشنيعة التى شقت فى الإسلام شقا، وزرعت بين المسلمين العداوة والبغضاء، والواجب إذا كان هذا الرجل موافقاً للسُنَّة فى جميع أمره سوى هذا أن يُقال: ليس من أهل السُنَّة فى هذا الباب، وذلك لأن منهج السُنَّة فى مثل هذه الحزبيات معروف وواضح، وقد جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: يا أبا عبدالله.. أسألك عن مسألة أجعلك حُجة فيما بينى وبين الله عز وجل، قال الإمام مالك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، سَلْ. قال: مَن أهل السُنَّة؟، قال: "أهل السُنَّة الذين ليس لهم لقب يُعرفون به، لا جهمى ولا قدرى ولا رافضى"... وفى عصرنا هذا لا إخوانى ولا سلفى حركى، ولا سلفى جهادى ولا قطبى ولا داعشى، إلى آخر هذه الألقاب المذمومة فى الشرع.
ولشيخ الإسلام –رحمه الله- كلام بديع فى هذا الصدد، يُنكر فيه الانتساب إلى مثل هذه الحزبيات وإلى مثل هذه الجماعات، فإنه قد وقع فى زمنه مثلها، فقضى عليها وأبطلها، قال –رحمه الله- فى الوصية الكبرى: وكذلك التفريق بين الأمة، وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله، مثل أن يُقال للرجل أنت شكيلى أو قرْفندى*، هذه أسماء يوالون عليها ويُعادون فيها، فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس فى كتاب الله ولا سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا فى الآثار المعروفة عن سلف الأمة لا شكيلى ولا قرْفندى (ولا إخوانى ولا قطبى ولا سلفى سكندرى ولا ما أشبه)، الواجب على المسلم إذا سُئل عن ذلك أن يقول: لا أنا شكيلى ولا قرْفندى، بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسُنَّة رسول الله.
وقد روينا عن معاوية ابن أبى سفيان أنه سأل عبد الله بن عباس رضى الله عنه فقال: أنت على ملة على أو ملة عثمان؟. فقال بن عباس رضى الله عنهما: لست على ملة على ولا على ملة عثمان، بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
انتهى كلام الشيخ، أما أنا، فلا زلت أدعو الله لهم أن يعودوا إلى منهج النبى صلى الله عليه وسلم، وأن يتراجعوا عن حزبيتهم المقيتة التى ما جلبت على الأمة إلا الفُرقة والعداوة.
* الشكيلى والقرْفندى: أسماء كأنها ألقاب أو فرق كانت موجودة عندهم في ذلك الوقت.
- آخر تحديث :
التعليقات