سمير عطا الله

منذ نصف قرن لا يمر عام على بريطانيا إلا وصدر كتابان (على الأقل) الأول، عن بطلها الغامض، لورانس العرب، العسكري الرومانسي الذي ساهم في اشعال الثورة العربية ضد الاتراك، والثاني عن كيم فيلبي، الذي باع اسرارها للاتحاد السوفياتي منذ الثلاثينات، إلى حين هربه من بيروت إلى موسكو على باخرة روسية، العام 1963.


في كليهما، الكثير من معالم وصفات البطل البريطاني بوند، جيمس بوند، الذي تخيله السير ايان فليمنغ، بعد أن انصرف عن كتابة الحكايات للاطفال إلى مغامرات الكبار. لكن بوند لورانس عمل لحساب الامبراطورية، وبوند فيلبي عمل لحساب اعدائها، وانتهى مخموراً برتبة عقيد في الـ كي. جي. بي في شقة بسيطة في موسكو، بعيداً عن عائلته واصدقائه ووطنه.


آخر الوثائق السرية التي كُشفت الخميس الماضي تقول أن فيلبي لم يرتكب الخيانة فقط في حق بلده، بل هو من وشى برفاقه لكي يبعد الشبهة عن نفسه. لا رفاقية في الجاسوسية. ولا صداقات: خيانات من اول الطريق إلى آخرها. وعندما كتبت حياة فيلبي في بيروت، مراسلا «للاوبزرفر»، بدا شخصاً مدمناً على الكحول لا يفيق إلا من زجاجة إلى أخرى، دائم الخوف، دائم الشك، ومن جملة من يخونهم زوجته وصديقته وكل من صدف وتعرف إليه في بار فندق السان جورج، أو بار فندق «النورماندي» القريب.


كان بار «السان جورج» هو السر المعلن في عالم الجاسوسية. ومنه التقى جميع الجواسيس العالميين الذين كانوا يعرفون طبيعة اعمال بعضهم البعض. اشهرهم كان الاميركي مايلز كوبلاند، صاحب «لعبة الأمم»، وفيلبي. وقد صدر في الستعينات للصحفي الفلسطيني سعيد ابو الريش كتاباً مثير عن تاريخ البار واشخاصه، وغيرة الزوجات والشكوك والصفقات وتبادل المعلومات والتمويهات.


الأكثر ذكاء من الجميع، ومعرفة بجميع امورهم، كان «البارمان»(النادل) اللبناني الذي ينقل إلى الأمن العام كل ما يسمع وما يدور. وبعد تقاعده في كاليفورنيا لحق به ابو الريش إلى لوس انجيلس ليستطلعه اخبار الماضي، فرفض البوح بما اؤتمن عليه. كذلك رفض الكشف عن تلك المرحلة مدير الأمن العام يومها توفيق جلبوط.


كانت بيروت آنذاك مركز التنصت الدولي في الشرق. وهي سمعة سيئة في جميع الأحوال. اسوأ ابطالها على ما يبدو كان كيم فيلبي.
&