فهد العيلي

تقول الإحصائيات الرسمية الصادرة من وزارة "الثقافة والاعلام" إن عدد "الصحف الإلكترونية" وصل إلى ألفي "صحيفة إلكترونية" وإن المرخص منها 600 "صحيفة إلكترونية" فقط والبقية تسبح في فوضى عارمة لم يتجاوز تأثيرها المتلقي البسيط.

هذا الرقم الكبير جدا يمكن أن يكون مقبولا لو كان هناك طرح مهني متجدد وكوادر متخصصة تواكب الثورة المعلوماتية، والسرعة، والمرونة للإعلام الرقمي، لكن المتابع يدرك أن هذه الصحف المتزاحمة في فضاء "الإنترنت" في مجملها تقدم طرحا باهتا، ومكررا، ومحتوى ضعيفا، تحول معه كثير منها إلى مجرد ناقل للشائعات، وسواليف المجالس، ومبالغات "الواتساب" والترويج لجملة من الأخبار السلبية، والمحبطة، لم تخرج أغلبها عن أخبار الجريمة والعنف، والشذوذ الجنسي، ومنافسات الدوري الرياضي، وشيء من أخبار الأنشطة التعليمية، باستثناء صحف قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ما زالت تحاول الخروج من عمق التقليدية، والأداء الباهت، وهذا أعادنا إلى ما يسمى "الصحف الصفراء" التي ظهرت في بعض الدول العربية واعتمدت على الأكاذيب، ونشر الفضائحيات، والشائعات الموجهة ضد دول وأشخاص لخدمة مصالح آخرين.

في واقع الأمر لا أرى حاجة إلى هذا "الكم" من "الصحف الإلكترونية" بقدر ما نحتاج إلى "الكيف" ولو كان لدينا 50 صحيفة إلكترونية على سبيل المثال أو أقل لكان كافيا متى ما توافرت المهنية والقدرة على الطرح المتميز المؤثر في الرأي العام الذي يعبر عن تفاعل المجتمع ويتماشى مع توجهات الدولة ومصالحها القومية.

لقد أدرك الزملاء الذين اتجهوا لتأسيس "صحف إلكترونية" خاصة مستغلين هذا الانفتاح المتسارع، والثورة المتصاعدة في الإقبال على "مواقع التواصل الاجتماعي"، أن إدارة صحيفة ليست بالأمر السهل وأن الأمر لا يرتبط بمجرد بث بعض الأخبار المحلية، واستكتاب من يكتب لمجرد الكتابة، بل الأمر يرتبط بأبعاد أخرى أكثر عمقا من تصورهم.

وربما وصل بعضهم إلى هذه القناعة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار توافرالقدرة المالية المستدامة التي تمكن الصحيفة من استقطاب الكفاءات المؤثرة والعمل وفق نظام مؤسسي في إدارة محتواها بشكل مؤثر وجذاب للمتلقي.

وعلى "وزارة الثقافة والإعلام" أن تقود مزيدا من المبادرات للحد من هذه الفوضى من خلال إعادة النظر في إجراءات "التراخيص الإلكترونية" والتحقق من المؤهلات المهنية للراغبين، وتشجيع الاندماج بين الصحف الإلكترونية، ووضع حوافز للصحف المتميزة مهنيا وتمويلها إن لزم الأمر، كما تستطيع الوزارة بالتعاون مع أقسام الإعلام في الجامعات "ومعهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام" تنظيم جملة من المبادرات في رفع التأهيل المهني لمنسوبي هذه الصحف وتدريبهم في التعامل مع معطيات العمل الصحافي بمهنية تجعل منهم كفاءات مؤثرة لا مقلدة قادرة على إحداث نقلة في محتوى الصحف الإلكترونية.