&ليون برخو

لماذا نكره الآخر؟ هذا سؤال قد حير العلماء والفلاسفة والمفكرين.

هل هناك من جواب لهذا السؤال؟ نعم، ولكن قلما نكترث لمن حاول الإجابة عنه.

والكراهية هي أس الشر. والشر يعد له الناس أنفسهم وخوالجهم قبل اقترافه. الشر ليس عملا اعتباطيا يقترفه الإنسان دون وعي منه. كل شر يقترفه الإنسان مقترن بالكراهية. كراهية الآخر معناها أننا لا نمنحه من السمو أو القداسة أو المكانة التي نمنحها لأنفسنا.

والكراهية، يقول الفلاسفة والمفكرون الذين تناولوها، تبدأ بالكلمة. بمعنى آخر إننا نجعل من الكراهية منهجا لتصرفاتنا الشريرة بعد أن أجبرنا أنفسنا أو تم إجبارنا على هضم كم هائل من خطاب الكراهية.

إعلان

وخطاب الكراهية يتجلى بأبشع صورة في الإعلام. الإعلام خطاب المفروض فيه ألا يحمل حبة خردل من كراهية الآخر. أغلب الوسائل الإعلامية تجعل من النزاهة والموضوعية والتجرد والإنصاف شعارا لها. بيد أنها في الغالب تتجنب وضع معايير محددة لانتقاء الكلمات والعبارات والجمل التي تساعدنا على التقرب من النزاهة.

في الإعلام الغربي الرصين، هناك دلائل الأسلوب تقدم فيها الوسيلة الإعلامية الرصينة لمحرريها ومراسليها سلة من الأدوات اللغوية التي في الإمكان الاستناد إليها للتقرب قدر الإمكان من النزاهة في الخطاب الإعلامي.

ودخل أساتذة الخطاب الإعلامي معترك النزاهة. هناك اليوم كتب أساسية ومنهجية يتلقى طلبة الإعلام والصحافة من خلالها دروسا في فلسفة وفكر وممارسة النزاهة في الكتابة لوسائل الإعلام.

حسب علمي المتواضع ليس هناك وسيلة إعلامية عربية – حتى الكبيرة منها التي لها ملايين المتلقين – دليل أسلوب يعتد به. في غياب دليل الأسلوب معناه أن الكل يلعب ويكتب على هواه أو كما يريد أن يكتب أو ينطق أصحاب النعمة الذين يملكون أو يمولون الوسيلة الإعلامية. واستخدام اللغة من خلال انتقاء الكلمة والعبارة والجملة واحد من المؤشرات الأساسية والجوهرية لتقرير نزاهة الخطاب.

أي خطاب ينتقص من الآخر المختلف مؤشر للكراهية. والشر يبدأ أول ما يبدأ بالكلمة. نحن في الغالب نفكر وننطق ونكتب ما يتم تلقينه لنا في الصغر ومن ثم من خلال الإعلام.

الغرب اليوم يكره العرب والمسلمين. ويتعرض اللاجئون والجاليات من الأصول العربية والإسلامية إلى مضايقات شديدة.

السبب في هذا الكره يكمن في الإعلام. الإعلام العربي جعل من الإرهاب والعنف وكأنه شيء ميتافيزيقي متأصل في العرب والمسلمين.

ولكن الإعلام الغربي من خلال خطابه حشد المتلقين وجعلهم بمثابة كتلة واحدة في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم على بعضهم بعضا. إن اشتكى واحد منهم، هرعوا لمساعدته ومواساته.

ولهذا لم يقوموا بفرز ضحايا الإرهاب في فرنسا مثلا على أسس الدين والعرق والمذهب والميل وغيره. الكل في الغرب تعاطف معهم ومع دولتهم وشعبهم وحكومتهم. وبعض العرب ودولهم وحكوماتهم فاقوا فرنسا ذاتها في تعاطفهم مع الضحايا هؤلاء.

ولكن لننظر ماذا خلق لنا الإعلام في البلدان العربية. الإعلام العربي لم يرد أو يقابل كراهية العرب والمسلمين في الخطاب الإعلامي العربي بالمثل، لا بل هناك من يجاريها ويشد من أزرها.

الكراهية بادية وظاهرة في الخطاب الإعلامي العربي. دليلها الفرز بين الناس استنادا إلى الميل والدين والمذهب والعرق وغيره، والناس جلهم عرب ومسلمون.

الكراهية تنطق في الإعلام الغربي من خلال انتقاء الكلمة والعبارة والجملة التي تنتقص من العربي الآخر المختلف. صار الناس اليوم بدلا من التعاطف والتواد والتراحم مع بعضهم بعضا، يميلون إلى التشفي من بعضهم بعضا.

وما انتقاء الكلمات التي تقطر كرها للآخر إلا مثال حي على الكراهية التي يزرعها الإعلام في البلاد العربية.

وبسبب هذا الخطاب أخذ الناس يفرزون أنفسهم إلى مجموعات وقبائل استنادا إلى الميل والتحزب والتحامل على الآخر.

وإن سقط ضحايا من هذه المجموعة على يد مجموعة أخرى، يهرع الإعلام إلى التشفي من خلال انتقاء خطاب متحيز غير نزيه ينتقص حتى من الضحايا لأنهم مختلفون.

الإعلام العربي – أكاد أجزم برمته – رأسه في التاريخ العتيق وأرجله في الحاضر. يقتبس كلمات وصفات وعبارات من التاريخ الذي مضى وانقض ويسوغها وكأنها جزء من الواقع الاجتماعي اليوم.

وكل مجموعة أو فئة لها مخزون من كلمات وعبارات معدة مسبقا تطلقها على غريمها من خلال إعلام موجه يغير بوصلته بتغيير صاحب نعمته.

هالني حقا بعد سقوط ضحايا أبرياء بينهم أطفال ونساء وشيوخ وبأعداد أكثر من ضحايا الإرهاب في باريس ووسيلة إعلامية عربية تنقل خبر الفاجعة بتحيز وتحزب وإجحاف وكأني بها تقول "إنهم يستحقون وشكرا للجناة".

ولكن ما أفزعني كانت التعاليق التي ظهرت بالمئات وبسرعة وأغلبها ينحو صوب التشفي وبعضها فيه عبارة تخدش الحياء والآداب العامة.

إن لم يضع العرب والمسلمون في الشرق الأوسط حدا لخطاب الكراهية في الإعلام، فإننا مقبلون على ظهور جيل لن يراعي أبسط حقوق الإنسان لأخيه العربي والمسلم المختلف عنه.

ما يتعرض له المتلقون من العرب والمسلمين من خطاب تتخلله عبارات وكلمات تزرع الكراهية في النفوس والعقول هو في نظري أخطر ما واجهه العرب طوال تاريخهم.

والخطورة تنبع من أن الخطاب هذا – شأن أي خطاب إعلامي آخر – بدأ ينساب من الوسيلة الإعلامية إلى الحديث اليومي لدى الناس في البيت والمدرسة والشارع. الناس اليوم بدلا من أن تفكر لتحسين وضعها وإلقاء اللوم على نفسها على ما حل بها، صارت تنحي باللائمة على المختلف عنها من العرب والمسلمين.