مصطفى العبيدي

شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدا قويا من قبل حكومة حيدر العبادي والقوى المنضوية تحت التحالف الوطني الشيعي، في التهديدات ضد تركيا بعد ادخالها قوة جديدة إلى شمال العراق، حيث وصل التصعيد إلى التهديد بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية واستهداف المصالح التركية في البلاد.


وقد وصلت التهديدات إلى مطالبة العبادي القوة الجوية العراقية التأهب لحماية العراق ويتصل بحلف الأطلسي للضغط على تركيا لسحب قوتها من شمال العراق، ما أعطى انطباعا باحتمال توجيه ضربات جوية إلى القوة التركية وبدء نزاع مسلح، عززته الأخبار عن قيام طائرات عراقية باستطلاع مواقع القوة التركية في شمال العراق. كما هددت ميليشيات شيعية باستهداف الرعايا الأتراك في العراق مثلما فعلت سابقا، ما حدا بأنقرة إلى مطالبة رعايا بمغادرة العراق، اضافة إلى اقدام وزارة التجارة العراقية على الغاء الملحقية التجارية في السفارة العراقية في تركيا وتهديدات برلمانية باعادة النظر في العلاقات التجارية بين البلدين وغيرها من الإجراءات التصعيدية.


ومع استمرار صفحات التصعيد، تضاربت مواقف القوى العراقية حول الموضوع حيث أيد الاقليم والقوى السنية، التواجد التركي أسوة بتواجد باقي القوات الأجنبية في العراق لمساعدته في محاربة التنظيم، مع تأكيدهم على علم الحكومة العراقية بتواجد المستشارين الأتراك في شمال العراق منذ سنين. وقد أكد الإقليم أنه يضع نفسه على الحياد إذا نشبت الحرب بين الطرفين، منوها إلى علم بغداد المسبق بوجود القوات التركية شمال العراق، كما اعتبرت قوات البيشمركه الأزمة معركة سياسية.
وعبر وزير المالية والقيادي الكردي هوشيار زيباري عن اعتقاده بأن اثارة الأزمة وتصعيدها أخذ طابعا طائفيا وأن مثل هذه المواضيع يمكن حلها بالطرق الدبلوماسية الهادئة، منوها إلى وجود 1300 جندي تركي في شمال العراق منذ عام 1995 لمنع حزب العمال التركي من مهاجمة تركيا. ومثل هذا التواجد يستحيل ان يكون بعيدا عن علم الحكومة العراقية.
كما أكد محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي وسياسيون آخرون أن وجود المدربين الأتراك في شمال العراق معروف للحكومة وسبق ان قام وزير الدفاع العراقي وكبار ضباط وزارته ومن الحشد الشعبي أيضا بزيارة تلك المعسكرات وشاهدوا المستشارين الأتراك فيها.


ويعتقد الكثير من المراقبين في العاصمة العراقية، أن هذه الحملة الشعواء التي تشنها القوى السياسية الشيعية والتهديدات باستهداف القوات التركية وقطع العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، بالتزامن مع الرفض الإيراني والروسي لوجود القوة التركية في شمال العراق، يعطي مؤشرات إلى أن هناك مسعى للضغط على تركيا وتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، كما يهدف إلى حرمان البيشمركه وسنة الموصل من الحصول على التدريب والمعدات اللازمة لمعركة تحرير الموصل، لكي يكون الفعل الرئيسي في العملية للقوات العسكرية والحشد الشعبي وليس أهالي المحافظة.
وحاولت روسيا استغلال الأزمة بين حكومتي العراق وتركيا عندما دعت مجلس الأمن الدولي لمناقشة «الانتهاك التركي لسيادة العراق» مدعية ان حكومة العراق قدمت شكوى بهذا الصدد، الأمر الذي انكره السفير العراقي في الأمم المتحدة مؤكدا ان العراق لم يقدم شكوى إلى مجلس الأمن.
وكشف الرئيس التركي رجب أردوغان في حوار مع «الجزيرة» إن أفراد الجيش التركي موجودون في مخيم بعشيقة قرب الموصل بناء على طلب حيدر العبادي عام 2014. وأعرب عن استغرابه قائلا: الآن أسأل الرجل، لماذا لم ينبس ببنت شفة منذ 2014؟ بينما أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إن هناك محاولات في الوقت الحالي لخلق أجواء أزمة بين بلاده والعراق.
ومع رفض كل العراقيين لأي تدخل عسكري أجنبي في بلادهم، ولكن يبدو ان سيناريو تصعيد الأزمة بين العراق وتركيا على خلفية وصول قوة تركية جديدة إلى شمال العراق، وأزمة اسقاط تركيا للطائرة الروسية، هي صفحات في مشروع التحالف الرباعي الذي أعلن عنه بين روسيا وإيران والعراق وسوريا، لأعادة ترتيب أوضاع المنطقة والحد من نفوذ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مع توقعات بتبعات تترتب على ذلك تكون فيها المنطقة مقبلة على تصعيد أمني وعسكري جديد إضافة إلى ما موجود فيه أصلا، تكون فيه شعوب المنطقة وقودا للصراع والضحية الأولى له.