& أمين ساعاتي

إن افتتاح معرض جدة الدولي للكتاب يعد احتفالية ثقافية على درجة كبيرة من الأهمية، والسبب أن المناسبات الثقافية في حياة المجتمع السعودي قليلة، بينما في الدول المتقدمة تعد الثقافة القوة الناعمة الأولى التي تنشر الوجود الوطني في جميع المحافل الدولية.

ولذلك نعترف بأن المناسبات الثقافية في حياتنا شحيحة، فالمفروض أن تكون مجموعة الاحتفاليات الثقافية في حياتنا اليومية كثيرة بحجم هذا المجتمع المتنوع الذي يعيش في الأرض التي شع منها نور الحضارة الإسلامية.

إعلان

إن مناسباتنا الثقافية مع الأسف جلها سنوية كالجنادرية وسوق عكاظ ومعرض الرياض الدولي للكتاب، ولا يوجد غير ذلك في خريطة حياتنا الاجتماعية.

إن التاريخ العربي حافل بالمناسبات الثقافية، وكان العرب يحتفلون بالثقافة في سوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز، وكانت لهم مبارياتهم الشعرية ومساجلاتهم الأدبية، وكان لكل قبيلة شاعر أو أكثر، وكانوا يستغلون مواسم الحج لاستعراض نماذج من أشعارهم، كما كانوا يعلقون أشعارهم على أستار الكعبة، ولقد اشتهر قس بن ساعدة بالخطابة واشتهر عدد كبير من الشعراء بمعلقاتهم المشهورة في تاريخ العرب الأدبي، كان هذا يحدث حينما كان الناس لا يتجاوزون بضعة آلاف، وكانت الإمكانات محدودة للغاية، أمّا اليوم فنحن نعيش بين ظهراني حضارة غربية تحتفي بالثقافة يوميا بأوجه عصرية عديدة ونشاطات متنوعة، فهناك معارض الكتب والأوبرا والمتاحف والفنون التشكيلية والفنون الغنائية والمسرح والسينما، وهناك التراث واحتفالاته المتنوعة الكثيفة.

إذن من غير اللائق أن تكون لدينا مناسبات ثقافية شحيحة ونحن لدينا كنز من الثقافة، ولدينا حضارة غابرة ثرية، ولدينا حضارة عصرية نعيش حياتها الغنية والمتنوعة، وكذلك من غير اللائق أن تكون لدينا مناسبات رياضية يومية على مدار العام، ولا تكون لدينا مناسبات ثقافية يومية على طول العام.

الثقافة هي القوة الناعمة التي تقرب المجتمعات وتجمعهم على قاعدة المحبة والسلام.

إن معرض جدة الدولي للكتاب عنوان مهم في برنامج ثقافي عالمي يجدر أن نهتم ونحتفل به وندعو إليه كبار المفكرين من كل أنحاء العالم، ولكن ما نلاحظه في برنامجه الثقافي أنه ما زال ضعيفا ويحتاج إلى اهتمام يليق بالمدينة التاريخية المسجلة في قائمة التراث العالمي لدى المنظمة الدولية (اليونسكو).

وجدة كما كل مدن المملكة يشع منها تراث تاريخي عظيم، وهذا التراث التاريخي يجب أن نحتفل به على مدار العام بصورة مستمرة حتى نجعله يعيش معنا وتعيش الأجيال المتعاقبة فيه.

إذا كنا نسلّم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل، والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعدها مساهمة في التنمية.

حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل شعار مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للثقافة الوطنية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أمّا نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.

ولَكم أن تتصوروا بأن السعودية بحجمها الكبير في المجتمع الدولي لا توجد بها منشآت ثقافية بالعدد الكافي والملائم، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية ــ بحمد الله ــ كل أرجاء مملكتنا الفتية.

إن ما يمثل المؤسسات الثقافية في بلادنا الآن هي الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت ومنابر ومتاحف ومكتبات عامة ومؤسسات تعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي وحتى السينما والمسرح وبناء المتاحف الوطنية الكبرى، وتجليل الآثار لا استنكارها أو استهبالها، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار.

ونؤكد أن موقفنا المناهض للثقافة والتراث أحدث فراغا في عقول الشباب وجعلهم يستقبلون ويمارسون ثقافة الكراهية والعنصرية والإرهاب.

في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة، ليس لدينا ولا منشأة واحدة، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية على الرغم من أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وبه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا ــ مع الأسف الشديد ــ الكثير منها.

إذن لا تثريب على وزارة الثقافة والإعلام أن تباشر من الآن في بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت اليونسكو بآثارها الحضارية المبهرة، وفى جدة، وفى الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت الكثير من الحضارات القديمة الغابرة.

إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أمّا أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.

وإذا كنا نصف المملكة جنبا إلى جنب مع الدول العظمى، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد.

نحن نحتاج إلى الانفتاح على المنظمات الثقافية الدولية، وحينما ضمت اليونسكو مرابض الدرعية التاريخية إلى قائمة التراث العالمي، وحينما اعترفت اليونسكو بجدة التاريخية وضمتها إلى قائمة التراث العالمي كانت هاتان الخطوتان موفقتين على طريق التفاعل مع منظمات الثقافة العالمية، وهكذا نحن في حاجة إلى الاقتراب أكثر وأكثر من منظمات المسرح العالمي.

إن معرض جدة الدولي للكتاب إطلالة رائعة من إطلالات الثقافة الوطنية السعودية التي نرجو أن نفتح أمامها الأبواب والنوافذ كي تضيء العقول والنفوس حتى يصبح هذا المعرض وغيره من معارض الكتب في مدن المملكة أحد الروافد المهمة للقوة الناعمة في المملكة العربية السعودية الفتية.