سمير عطا الله
ثمة أسماء ومراحل أدبية يتفق عليها معظم الناس. لذلك، تبحث الكتب المدرسية في أسماء ومراحل واحدة تقريبًا، كأن تقول العصر الجاهلي، أو العصر العباسي، أو عصر النهضة. ينطبق ذلك على دروس الأدب في جميع أنحاء العالم، الشعراء، الروائيون، الأدباء وعصورهم. ما يتعدى المتفق عليهم من أعلام، ليس معروفًا إلا لدى ذوي الاختصاص.
ثمة ظاهرة أريد الإشارة إليها بعد مطالعات كثيرة في هذا الشأن: يعتبر الأدب الروسي، في الرواية والشعر، من أعظم آداب العالم. لكن هذا الشعب الذي أعطى صفًا لا نهاية له من العمالقة، لم يظهر فيه جبابرة آخرون خلال المرحلة السوفياتية التي دامت نحو 70 عامًا. حتى إن ذوي الأسماء الكبرى مثل بوريس باسترناك وألكسندر سولجنتسين كانوا «روسًا» لا «سوفياتًا». أي كانوا من الخارجين على النظام وقيود الالتزام.
ربما كان السبب أنه لا يمكن للإبداع أن ينبت في غياب الحرية. البطل السوفياتي، أو «البطل الإيجابي» كما سمّي في العشرينات، كان دائمًا مملاً. وكان شخصًا واحدًا تقريبًا، داخلا في صراع خطابي مستمر مع عدوه الرأسمالي. ولا شك طبعًا أنه كان يفوز في كل مبارزة فكرية. كان على الرواية أو القصيدة أو المقالة أو الرثاء، أن تمتدح المسيرة الاشتراكية، وأن تهاجم البورجوازيين. ومع الوقت، صار الأدب الروسي كأنه نسخة واحدة مكررة. ولم يحكم على الكتّاب وحدهم الالتزام بفكر موحّد، بل على القراء أيضًا. وكان الاتحاد السوفياتي يطبع ويترجم من الكتب أكثر من أي دولة أخرى، لكنها، في قديمها وحديثها، كانت تصب في قالب واحد. وقد حُكم بالإعدام أو النفي على كثيرين من كبار الكتّاب بسبب «رجعيتهم» أو انحرافهم، ولم يُرد لهؤلاء الاعتبار إلا بعد وصول ميخائيل غورباتشوف إلى الحكم العام 1985.
الأدباء الذين أعادوا النظر في مرحلتهم الحزبية أجمعوا، تقريبًا، على أن الالتزام المتزمت يقتل المواهب والإبداع. ويروي الأستاذ كريم مروة، أحد كبار الشيوعيين السابقين، أن زعيمًا من زعماء الحزب قال له مرة «نحن في موقعنا السياسي نلتزم بما تنشره وكالة تاس للأنباء».
وأذكر من وكالة «تاس» أيام عملي التحريري أنها كانت تصلنا المكتب بعد أيام من صدورها، منسوخة على ورق عتيق، مكتوبة بحبر بنفسجي لا يُقرأ. أو بالأحرى مكتوبة بممحاة بنفسجية اللون. لم يعد شيء من هذا في موسكو اليوم. «البرافدا» تصدر بأجمل الألوان.
&
التعليقات