الجهاديون يتناسلون قبل مبارك وبعد السيسي: أرض الفيروز.. من زراعة الزيتون إلى إنتاج المتفجرات


حسام عبد البصير

&حينما كان ديكتاتور مصر الأشهر حسني مبارك يمد رجليه طيلة السنوات العشر الأخيرة من عمره في مياه شرم الشيخ، المدينة الأحب لقلبه مستجماً ومستمتعاً، كانت سيناء الشمالية تعيش فقراً مزريا وبؤساً يكبر مع الأجيال. مبارك يأخذ الصور التذكارية مع السياح وشعبه هناك لا يرى سحنته إلا عبر الفضائيات. سيناء الجنوبية تشبه قطعة من الجنة، هكذا يقول معظم من زاروها بينما شقيقتها الشمالية تذكرك بالإنسان الحجري ساكن الكهوف حيث لا خدمات من أي نوع ولا وجود للدولة إلا عبر الحدود.. في مناخ كهذا من الطبيعي ان يتناسل الإرهابيون كما يطلق عليهم المراقبون والمحللون أو «الناس بتوع ربنا» كما يحلو للكثير من المتعاطفين مع الجهاديين ان يصفوهم .. توفي الرئيس السادات وكان يحلم بأن ينقل جنات عدن إلى شبه جزيرة سيناء، لكنه مات بطريقة مأساوية ومالبث ان أعلن سلفه مبارك الحرب على الإرهاب وتعامل مع سيناء باعتبارها ذنبا يريد ان يتوب منه لذا تخلى الديكتاتور المستبد عن أهالي أرض الفيروز معتبرا إياهم أبناء سفاح، فلم يقدم لهم خدمات تذكر. وظلت سيناء على مدار زمن مبارك كزوجة منسية أهلكها جحود الزوج وعقوق الأبناء ولم تجد من حولها من يعينها على التطور والتنمية فارتدت للخلف.
عن سيناء الشمالية نتحدث، تلك التي باتت مؤخراً واحدة من أشهر بقاع الأرض بسبب ما تشهده من أحداث دموية، لذا يبدو السؤال عن تاريخ جماعات العنف هناك ومتى نشأت.

ولادة على أسنة الرماح

شهدت مصر، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي العديد من التنظيمات الجهادية ولعل أبرز فصيلين ظهرا خلال تلك الفترة هما الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، اللذان توقف تأثيرهما بإعلان مبادرة وقف العنف والمراجعات الفكرية والتي لعب فيها صديق مبارك الكاتب مكرم محمد احمد دوراً بارزاً في اتمام تلك المراجعات والتي أسفرت فيما بعد عن استقطاب تلك القوى الجهادية نحو العمل السياسي بعد ثورة كانون الثاني/يناير ومن ثم دعم جماعة الإخوان بعد عزل محمد مرسي وهو ما أسفر عن تعرض كوادر الفصيلين للملاحقة.
قبيل حلول الألفية الثالثة كانت القوى الجهادية مع حدث مهم أهلها للانتقال من المحلية للعالمية اثر الإعلان عن تشكيل «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» التي تزعمها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وشارك فيها قياديان من تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية وانتهى الأمر بتدشين تنظيم «القاعدة» وكان لهذا التنظيم اثره في نشر فكرة الجهاد بين الشباب المسلم في عدد من البلدان في مقدمتها مصر، وباتت سيناء التي تعارف عدد من قيادييها في السجون بأعضاء الجهاد والجماعة الإسلامية أرضاً خصبة وحاضنة مثالية لفكرة الجهاد كونها بالقرب من المحتل الاسرائيلي.

تنظيم الدولة الرجل الكبير في سيناء

ما صحة ما يتردد عن تواجد كبير لتنظيم الدولة في سيناء؟ المعلومات المتواترة من هناك تفيد ان ذلك التنظيم الذي تتوحد لدحره قوات الدول العربية والأجنبية يسعى في الوقت الراهن إلى تعضيد الهيكل التنظيمي لولاية سيناء، ليقوم على محورين، أولهما إمارة عامة ويكون الوالي فيها هو أمير التنظيم نفسه، وهذا الأمير مجهول للعناصر الدنيا من التنظيم ولا يعرف بأمره إلا القيادات داخل التنظيم خشية اغتياله، بجانب إمارة خاصة، ويدير أمرها مفتي التنظيم، ويحل موقعه حالياً أبو أسامة المصري. وتشير معلومات داخل أوساط الجهاديين انه على اتصال مباشر بخليفة المسلمين أبو بكر البغدادي ويتلقى منه سائر التعليمات التي تصل إليه عبر طرق مختلفة، حسب الحالة الأمنية، وفي بعض الحالات يتم إصدار التعليمات من فتاوى بيانات صوتية أو مكتوبة،عبر موقع قيادة التنظيم أو بواسطة الناطق بلسان الدولة الإسلامية. جدير بالذكر ان التعليمات بالتحريض ضد جنود الجيش بسيناء تمت بالوسيلة الأخيرة.
وتؤكد مصادر جهادية ان قيادة التنظيم قامت بتقسيم ولاية سيناء لخمس خلايا، لكل خلية منها دور ومهام محددة على أفرادها القيام بها وتنفيذها حرفياً.

تجنيد أعضاء جدد على هدف ثمين

وتعد مهمة تجنيد أعضاء جدد على رأس مهام خلية محددة يطلق عليها «الدعوة والاستقطاب»، وبسبب الحرب التي يواجهها التنظيم فإن ضم أعضاء جدد يعد على رأس الأولويات لذا فتلك الخلية تضم شخصيات تتمتع بمهارة فائقة وثقافة وفقه، لذا فهي الأهم بين الخلايا الخمس، لأن دورها يهدف لبقاء التنظيم قوياً وقادراً على تحقيق المهام الكبرى المتمثلة في تمكين المسلمين في الأرض. الخلية الثانية دورها مخابراتي بحت، ويطلق عليها اسم «الخلية الأمنية»، فهي ترصد قوات الجيش والشرطة أو أي هدف حكومي بهدف الإعداد لتدميره، وأفراد تلك الخلية غالباً ما يكونون على علاقة بالمجتمع السيناوي من أجل الحصول على المعلومات الثمينة.
وتحل خلية «الغزاة» ثالثاً من حيث الأهمية وتلك الخلية تنقسم لجناحين، الأول يتمركز داخل سيناء، وينقسم إلى عدة كتائب لكل كتيبة قائد مسؤول عنها، ويصل عدد عناصر كل كتيبة إلى 15 مسلحاً، أما الجناح الثاني فيتواجد خارج سيناء ويتمركز في بعض المحافظات الأخرى القريبة منها مثل الاسماعيلية فضلاً عن العاصمة التي يوليها التنظيم أهمية كبرى من أجل زعزعة الأمن فيها، وينتظر هذا الجناح التعليمات من الولاية لشن أي عمليات إرهابية في المحافظات التي تختبئ فيها خلاياه النائمة. والخليتان الباقيتان الأولى لتصنيع المتفجرات التي تستخدم في العمليات العسكرية وتفخيخ السيارات، والأخرى عملها إعلامي قائم على اصدار التقارير التي يريد التنظيم ان يعلنها على الرأي العام.

الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر

العنوان أعلاه حديث نبوي شريف، يكشف عن ان الله عز وجل لا تعييه الوسيلة وانه يسخر لدعوته حتى الرجل الفاجر ويحلو لكثير من الإسلاميين الاستشهاد به عند التعرض لنظام حكم مبارك وكذلك نظام الحكم الراهن والذي تولى الحكم بعد زوال حكم جماعة الإخوان المسلمين فكلاهما اتبعا سياسة تعجل بنشر الكراهية لرموزهما بين الجماهير وقد اسفر قيام نظام مبارك بالجمع بين معتقلين إسلاميين من سيناء في سجون جنبا إلى جنب مع إسلاميين من الصعيد والدلتا وعادوا حاملين أفكارهم إلى سيناء، وترتب على هذا كله ظهور تنظيم «التوحيد والجهاد» على يد أحد هؤلاء المعتقلين وهو خالد مساعد. ورشحت التحقيقات لهذا التنظيم تفجيرات نويبع، ودهب، وشرم الشيخ التي وقعت على مدار ثلاثة أعوام متعاقبه بدأت في العام 2004 ، كما دفع قيام نظام الحكم الحالي. وتتفق أغلب التنظيمات الجهادية فيما بينها على حقيقة تتمثل في أن الحرب التي باتت تشن منذ فترة ضد الإسلاميين يقصد بها زوال الهوية الدينية عن مصر، كما يتفق أنصار تلك التنظيمات على ان التيار الإسلامي عزل عن السلطة بناء على مؤامرة اشتركت فيها كافة مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الدينية الرسمية وتيارات المعارضة العلمانية بمختلف أطيافها، وترى أيضا أن طرفي المؤامرة اتفقا على كراهية المشروع الإسلامي الذي تعرض أنصاره لمذبحة أثناء فض اعتصام رابعة، لذا فهناك ثأر لا ينساه الإسلاميون.

استعادة حكم الله في الأرض

كان الثوار ما زالوا واثقين من انهم يسيرون في طريقهم الصحيح في العاصمة المصرية عندما أعلن في نهاية منتصف العام 2012 عن تشكيل جماعة جديدة في سيناء وغزة، تحمل اسم «مجلس شورى المجاهدين»(20)، ورافق البيان مجموعة من الصور لبعض الملثمين، بالإضافة إلى تسجيل مرئي تعلن فيه الجماعة عن باكورة نضالها متجسدة في استهداف دورية إسرائيلية على الحدود بين مصر وإسرائيل، اطلقت عليها «غزوة النصرة للأقصى والأسرى».
وحرصت الجماعة في أول بيان لها الثناء على اقتلاع عدد من الحكام المستبدين عن مناصبهم، إذ وصف ثورات الربيع العربي باعتبارها «خروجا للملايين للمطالبة بتطبيق شريعة الرحمن» معلنة انه «لا مكان لدعاة الوطنية، والقومية، والعلمانية، والديمقراطية» وأن هناك «معركة للمسلمين لاسترجاع حكم الله في الأرض»، وبحسب الناطق الذي أعلن البيان فإن الهدف من الإعلان عن تشكيل مجلس شورى المجاهدين هو «وضع أساس لعمل جهادي مبارك واضح الطريق والمعالم».
واستهدف ذلك الفصيل ان يكون نواة في المشروع العالمي الرامي لعودة الخلافة الراشدة، وتطبيق الشرع الحنيف. ويميز ذلك الفصيل عن غيره من بعض الجماعات الأخرى انه لا يكفر عوام المسلمين، وبحسب بيان يكشف عقيدته، منهجنا هو اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لا نستحل دماء المسلمين، ولا نكفرهم، ونبرأ إلى الله من كل عمل، أو قول، أو اعتقاد فيه تعد على الشريعة الإسلامية، أو على الدماء المعصومة، فلا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب دون الشرك ما لم يستحله. منذ ظهوره للعلن أصدر التنظيم قرابة عشرين بيانا، وشدد على ان هدفه الوحيد يتمثل في قتال اليهود، كما حرص على ان يبرئ نفسه من أي دم ينتسب لعناصر الجيش المصري،
أما باقي البيانات، فكانت مخصصة للإعلان عن تبني عمليات نفذها التنظيم ضد مستعمرات وأهداف إسرائيلية.
ومن اللافت رغم تلاقي أفكار الإخوان المسلمين وبعض التنظيمات الجهادية إلا ان «’مجلس شورى المجاهدين» لم يفصح عن تنديده بعزل الرئيس محمد مرسي وفيما يصر بعض المراقبين على استقلالية ذلك الفصيل يصر آخرون على ارتباطه بالدولة الإسلامية مستشهدين في ذلك بالبيان الصادر قبل عام عقب بداية الخلاف بين تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، حيث انحاز إلى تنظيم الدولة وأميرها أبو بكر البغدادي، ولكن مع الاحتفاظ بأواصر المحبة لأيمن الظواهري وسائر رموز العمل الجهادي.

ضد إسرائيل إلى حين

ولأنها أجزاء في سيناء، يعتبرها البعض تقع ضمن حدود الشام الذي وصف أهله النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم «سيكونون في رباط إلى يوم القيامة».
ظهر تنظيم ثان أعلن عن نفسه قبل عامين وهو تنظيم «أنصار بيت المقدس»، وشدد الناطق بلسانه على ان التنظيم هدفه الوحيد المصالح الإسرائيلية، ولأجل ذلك قام بتفجير خط الغاز المؤدي إلى إسرائيل لأكثر من عشر مرات، غير ان ذلك الفصيل الذي أعلن من قبل ابتعاده عن توجيه سلاحه ضد الدولة المصرية، تراجع في تعهده على إثر الطريقة التي تم بها عزل محمد مرسي عن سدة الحكم وقرر ان يشارك في التعاطي مع الشأن الداخلي وذلك على إثر فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة في منتصف اب/أغسطس 2013، واستهلت نشاطها بعملية ضد قوات الجيش في سيناء، وأعلنت عنها في 11 ايلول/سبتمبر 2013 بالتزامن مع ذكرى تدمير برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث سارعت إلى إصدار بيان نعتت فيه الجيش المصري بالعمالة وإلاجرام وبين يوم وليلة تحول ذلك الفصيل نحو تصدير عملياته لخارج سيناء، وذلك حين أعلنت في 26 تشرين الاول/أكتوبر 2013 مسؤوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية، محمد إبراهيم.
وكشفت الأحداث التي أعلن عنها التنظيم قدرته الكبيرة في إرباك الحكومة وتحديد أهدافه بدقة والقدرة على إحداث أكبر قدر من الخسائر ومنها تفجير مديريتي أمن القاهرة والدقهلية ومبنى المخابرات الحربية بأنشاص فضلاً عن مقار تابعة للجيش.

أبو إسلام مؤسس السلفية السيناوية

عرفت السلفية طريقها مبكراً لأرض الفيروز وأول الجماعات السلفية في سيناء كانت على يد القيادي أبو إسلام. ويطلق أتباعه على أنفسهم عدة القاب أبرزها: «الجماعة السلفية» أو «أهل السنة والجماعة» و»جماعة انصار السنة المحمدية»، وتنتهج الجماعات السلفية الفكر السلفي السلمي المعروف في أنحاء الجمهورية. ويحظى هذا التيار بشعبية كبيرة بين بدو سيناء، نظرًا لاتساقه مع الطبيعة البدوية، كما يتواجد اتباع وان كانوا قلة لجماعة التبليغ والدعوة التي يقوم عملها في الأساس على الابتعاد عن الشأن السياسي ويتفرغون في دعوة الناس للصلاة والالتزام. وتنظر الجماعات السلفية بحذر تجاه جماعة التبليغ بسبب بعض المخالفات الشرعية التي تتهم بها «السلفية» التبليغ وتشترك أفكار كلاهما في عدم تقبل حمل السلاح والقتال. وتنتشر الجماعات السلفية في معظم مدن سيناء، وإن كان الانتشار يتضاعف في منطقة الشريط الحدودي، لكن وسطية فكر هذه الجماعات ومنهجها يجد له أرضًا خصبة في عدد من المدن من بينها العريش وبئر العبد ورفح والشيخ زويد.

الرايات السوداء

بدأت نشاطها منتصف التسعينيات من القرن الماضي في وسط سيناء وأعلنت عن نفسها في العريش، ومن أبرز معتقداتها أنها تشير إلى تكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وكذلك أركان نظام حكمه، وصولًا إلى أفراد المجتمع حال قبولهم بأفكار الحاكم. وتتماهى أفكارها مع أفكار التكفير والهجرة الذي أسسه في نهاية سبعينيات القرن الماضي شكري أحمد مصطفى ومجموعته المسؤولة عن قتل الشيخ الذهبي. وبالفعل يطلق أهالي سيناء على أعضاء تنظيم الرايات السوداء اسم «التكفيريين»، ووصل تأثير الجماعة لمنطقة رفح، وكانت قد اشتد تأثيرها عقب ثورة كانون الثاني/يناير.

حسام عبد البصير
Email this page