محمد خروب
&
ليست مصادفة بالتأكيد، أن تتزامن الذكرى العاشرة لاغتيال رئيس وزراء الاسبق رفيق الحريري مع مرور (266) يوماً على شغور كرسي الرئاسة في قصر بعبدا، هذا «الكرسي» الذي قال مؤيدو الحريري انه السبب في اغتياله بعد ان كان عارض (هكذا زعموا) التمديد لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود.كل هذا بات من التاريخ، وربما من اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تم تشكيلها في شكل سريع ومبرمج وصوّرها من كان وراء استيلادها بهذه الكيفية غير المسبوقة في العلاقات الدولية وكأنها ستأتي بالحقيقة فوراً ولن تجعل احداً من الجناة يفلت من العقاب ( إذ ان رؤساء جمهوريات ورؤساء حكومات وقادة عسكريون وحزبيون شهيرون، تمت تصفيتهم باكثر من طريقة، منها ما هو شبيه بطريقة اغتيال الحريري، لكن محكمة دولية لم تَقُمْ، وخصوصاً ان فيض الحماسة الدولية، وخصوصا الغربية، لم تظهر او تتجلى في تلك الحالات كما كانت حالها مع قضية رفيق الحريري).
&
ما علينا..ما من شك بأن 14 شباط 2005 قد شكّل مرحلة جديدة ليس فقط في تاريخ لبنان بل وايضا في تاريخ المنطقة العربية بأسرها، بعد ان أحدث - او هكذا أُريد له ان يكون - قطيعة مع المرحلة السابقة على ذلك اليوم، وبخاصة على وقع غزو العراق واحتلال القوات الاميركية له قبل عامين من تصفية الحريري، بكل ما كان يعنيه ذلك في نظر المحافظين الجدد، بان واشنطن وقد بدأت تكرّس القرن الاميركية (القرن 21) قادرة على رسم خريطة المنطقة العربية وبالتالي استكمال سيطرتها على المنطقة، بعد ان منحتها خاتمة الحرب الباردة، فرصة القيادة المنفردة للعالم (وظنت انها فعلاً نهاية التاريخ والنصر النهائي للرأسمالية في نسختها الاخيرة.. النيوليبرالية المتوحشة).
&
استثمر كثيرون حادث الاغتيال، وراحوا يبنون عليه خططهم ويرسمون سيناريوهاتهم التي كانت في معظمها حالمة وخيالية، لا تنهض إلاّ على الامنيات ونظرية المؤامرة وخصوصا قِصَرْ النظر والاتكاء على الدعم الغربي واعتبار تراجع نفوذ او تأثير الطرف الاخر (اللبناني والعربي هنا) بمثابة هزيمة نهائية، تعني - في نظرهم - ما تعني، وبالتالي راحوا يحرقون المراحل ويهدمون الجسور، وانطلقوا في عملية اجتثاث واستئصال وطمس (للآخر نفسه) ظناً منهم ان الأمور قد انتهت لصالحه وان معادلة التحالفات والاصطفافات باتت نهائية، ما يعكس سوء ادراكهم وتهافت نظرياتهم ودائما اختلال الموازين التي يقيسون بها حركة التاريخ وحقائق الجغرافيا وحجم التناقضات الموجودة بين من اعتبروهم حلفاءهم او انصارهم، الذين لن يلبثوا ان يتخلوا عنهم عند اي مفترق سياسي او جيوسياسي او اقتصادي، ودائما عند كل ما يخدم مصالحهم الاستراتيجية.نحن إذاً أمام لبنان جديد، بعد عشر سنوات على جريمة محكمة التخطيط والتنفيذ لم تستطع كل القوى التي التقت على التجريم الفوري لجهات او دول او احزاب او منظمات واتهامها بتنفيذها، أن تُمْسِك بخيط اولي يدل على الفاعلين الحقيقيين، باستثناء همروجة ارقام داتا الاتصالات التي اعتمدتها المحكمة الدولية منذ انشائها ولم تستطع ان تخرج من مسارها (حتى الان) لافتقارها الى المهنية والجدية والموضوعية، او ربما-وهذا هو الارجح-لان هذا هو الدور «الوحيد» المنوط بها.
&
ولأن لبنان محكوم بمعادلات خاصة، ذات أبعاد طائفية ومذهبية وجهوية وحزبية وتحالفات خارجية وارتباطات هي جزء لا يتجزأ من تركيبته العجيبة (حتى لا نقول المدهشة لأنها لم تعد تبعث على الدهشة او تدعو للارتياح والتفاؤل)، والتي تبدو مفروضة من قبل جهات داخلية مستفيدة (امراء الحرب وملوك الطوائف وطبقة الكمبرادور والطُفيليين) وأخرى خارجية لا تزال مصلحتها قائمة في ابقاء جمر الاحتراب والفرقة الطائفية والمذهبية في بلاد الأرز، كي تَعمّ الحال المنطقة العربية وترتاح اسرائيل لصيغتها الجديدة التي تحاول فرضها هي وشريكتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الاميركية (دولة يهودية وديمقراطية).وقائع السنوات العشر التي انقضت على لبنان كانت كارثية بالمعنى الحقيقي والاجرائي للكلمة، إلاّ ان الحوار الذي بدأ بين تيار الحريري (المستقبل) وحزب الله رغم انه لم يُحرز حتى الان «في جولاته الست التي تمت»، اي انجاز يُبنى عليه، إلاّ انه يعكس حقيقة ان (شعوب) لبنان محكومة بالحوار والالتقاء عند الجوامع والمشتركات وان (عداءات) العقد الماضي، لم تكن إلاّ جزءاً من سيناريو خارجي بتواطؤ داخلي، حيث اراد اشعال المنطقة وارجاعها الى عصور ظن كثيرون، اننا غادرناها منذ وقت طويل.هل سنعرف من اغتال الحريري؟اسألوا عن مصير التحقيق في اغتيال الرئيس الاميركي جون كيندي منذ.. نصف قرن.