هاني الظاهري

أنكر داعية سعودي قبل أيام حقيقة دوران الأرض في محاضرة ألقاها في دولة الإمارات، وهو ما أثار ضجة كبيرة وحفلة من السخرية والكوميديا الفاخرة بين السعوديين في شبكات التواصل.

&

الداعية الذي تم نقل حديثه بالصوت والصورة في مقطع فيديو تداوله الناس، لم يكتف بإيراد أدلة نقلية على ثبات الأرض ليثبت صحة كلامه، بل حاول الاستدلال عقلياً على عدم دوران الأرض بتساؤله: لماذا لا تأتي الصين إلى طائرة تحلق فوق الشارقة إن كانت الأرض تدور؟ مفجراً بذلك موجة عارمة من التهكم بطريقة استدلاله، وإيمانه المطلق بصحة حديثه، ولا أعلم -حقاً- ما الأسباب التي منعت هذا الداعية المجتهد من توجيه سؤاله إلى مدرس علوم في المرحلة الابتدائية ليزيل هذا الإشكال من عقله، لكن لعل عدداً لا بأس به من الأطفال الذين شاهدوا الفيديو سينقلون هذا التساؤل إلى معلميهم، رافضين حقيقة دوران الأرض، فيحصلون على الإجابة التي لم يحصل عليها الداعية.

&

حكاية هذا الداعية يمكن اعتبارها أنموذجاً صارخاً على مصادمة العلم والعقل؛ استناداً إلى فهم «شخصي قاصر» للدين، وجهل مدقع بالحقائق العلمية، وهي امتداد تاريخي للكثير من الحكايات المشابهة في التاريخ القريب والبعيد.

&

فقبل أقل من قرن واحد رفض عشرات الفقهاء في المملكة جهاز البرقيات «التلغراف»، وطالبوا الدولة بعدم استخدامه، معتبرين أنه استعانة بالجن، وقد أشار إلى ذلك المؤرخ حافظ وهبة في كتابه «جزيرة العرب» ضمن أحداث عام 1350، مبيناً أن العلماء كانوا يرسلون من يأتمنونهم إلى زيارة محطة التلغراف ورؤية الشياطين والذبائح التي تقدم لهم، فلم يجدوا شيئاً.

&

بالطبع، ليس من الممكن إجبار من يرفض الحقائق العلمية على تصديقها، والتوقف عن تفسير النصوص الدينية بشكل يتعارض معها، فهذا شأن شخصي يخصه طالما أنه يحتفظ به لنفسه ولا يحاول خلق إثارة وبلبلة حوله، قد تسيء إلى صورة الدين الإسلامي عالمياً، بل وقد تتجاوز الأمور ذلك لتحول الدين نفسه عند أعدائه إلى مادة إعلامية للسخرية، وهو ما يقود حتماً إلى تنامي الكراهية والعنف بين المسلمين وغيرهم، وليست أحداث العنف الأخيرة في فرنسا والدانمارك عنا ببعيد.

&

إن الصورة المسيئة إلى الإسلام التي يتداولها متطرفو الديانات الأخرى ويروِّجونها يومياً، أسهم في صنعها وتداولها مسلمون -للأسف-؛ بسبب جهلهم بدينهم وفهمهم المغلوط لنصوصه، وإصرارهم على مصادمة العلم والعقل والواقع، ولو علم -على سبيل المثال- أخونا الداعية رافض حقيقة دوران الأرض أن حكايته ستنتشر حول العالم بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تعتمد على دوران الأرض، لكان له رأي آخر، أو على الأقل لاحتفظ برأيه لنفسه، ولم يصرِّح به علانية بهذا الشكل؛ حتى لا يسيء إلى دين يؤمن به أكثر من بليون إنسان في هذا الكوكب، جلهم يعرف أن الليل والنهار ظاهرتان طبيعيتان، سببها دوران الأرض حول نفسها.
&