&&زهير الحارثي
&
القرار التاريخي في «عاصفة الحزم» إن ارتهنا للحقيقة، أنقذ اليمن من الانهيار وحمى الشرعية من الاختطاف الميليشاوي وحقق التوازن للإقليم وأحبط المشروع التوسعي الفارسي وأعاد الهيبة للعرب وكرس الاعتماد على الذات
&
&
&
لا أحد يحب الحروب ولكن هناك من يدفعك لها اضطراراً لا سيما إن تعلق الامر بالحق والعدل واحترام خيارات الشعوب. ولعل هذا يفسر الاجماع العربي والدولي غير المسبوق الذي حظيت به المعالجة العسكرية لأزمة اليمن.
كانت الرسالة واضحة وبامتياز فدول الخليج لم ولن تقبل بالانقلاب الحوثي ولا بالإجراءات المترتبة عليه، ومع ذلك فهي بذلت كل جهدها وفتحت الباب لكل القوى السياسية بما فيها جماعة الحوثي للقدوم للرياض والتحاور فيما بينها تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي دون تدخل او ضغوط، وظلت تناشد الجميع بضرورة الالتزام بتطبيق المبادرة الخليجية التي وقعت عليها كل الأطراف ولكن لا حياة لمن تنادي. كل تلك الدعوات لم يعرها الحوثي اهتماما ولم يلق لها بالا، فذهنه كان مشغولا بالاستحواذ على السلطة وليس بالشراكة الوطنية، منفذاً للأجندة الإيرانية غير مكترث بالمصلحة الوطنية!!.
وفي هذا السياق، كان السيناريو الإيراني كما بدأ للمتابعين يتجه الى ترسيخ مشروعه التوسعي ما انعكس على طبيعة الايعاز للحلفاء والموالين للقيام بما قاموا به. ففي ظل تكثيف الدعوات بضرورة الحوار آنذاك، ورغم وضوح وزير الدفاع الأمير النشط محمد بن سلمان في تحذيره لنجل صالح بأن عدن خط احمر لا يمكن القبول به، الا انه بدا واضحا ان وراء الاكمة ما وراءها بدليل ان الحوثي وصالح قررا المضي قدماً فيما خططا له من احتلال عدن وفرض الامر الواقع وكان المخطط في طريقه للتنفيذ لولا عناية الله سبحانه وتعالى ثم قرار الملك سلمان بتشكيل التحالف والبدء في تنفيذ الحل العسكري بضربات جوية.
كان الخليجيون منذ أسابيع يتابعون بحذر ما يجري في الخفاء واخذ الأمور على محمل الجد ووضع الترتيبات والإجراءات المناسبة. وعندما حانت اللحظة الفارقة فإنها جاءت كمفصل تاريخي لتفسد مخططات العملاء وتقطع الطريق على خيالات ودسائس المرتزقة.
كانت عاصفة الحزم حاسمة ومباغتة ومباشرة وهذا سبب نجاح نتائجها الى هذه اللحظة. ضربة ناجحة اعادت الثقة للشعب اليمني بعد شعوره بالخذلان والقلق. ولعل مما تميزت به هذه الخطوة الشجاعة التي قادها زعيم العرب الملك سلمان هو في التوقيت ولا شيء غير التوقيت.
ولكن في تقديري ان عنوانها أكبر من مجرد تدخل عسكري لردع ميليشيا متمردة اختطفت دولة وانقلبت على الشرعية. عاصفة لا تشبه العواصف الأخرى كونها من نمطية خاصة حيث الصلابة والحسم. بعبارة أخرى أعادت عاصفة الحزم اتجاه البوصلة لمكانها الطبيعي وحققت توازنا في موازين القوى سواء في الداخل اليمني او في البعد الإقليمي. فضلا عن انها اثارت تساؤلات مشروعة حول ما إذا ما كانت تلك الخطوة تدشينا لمرحلة جديدة في العمل العربي المشترك تدفع باتجاه التخلي عن الاستعانة بالغرب حين الحاجة والاعتماد على القدرة الدفاعية الذاتية.
عنصر المفاجأة أذهل الجميع وأربك حسابات الحوثي وبعثر مخططات طهران. لقد مثلت الازمة اليمنية بتداعياتها أحد القرارات الكبرى للملك سلمان بعد توليه سدة الحكم الذي ما لبث ان اتخذه بحنكة واقتدار فأعاد الهيبة للامة وحفظ كرامة العرب ونفض عنهم الغبار ونسف أحلام الظهيرة لمشروعات التمدد والعبث الفارسي الإيراني ساعيا مع اشقائه في الوقت ذاته لتثبيت الشرعية لاسيما وان العملية العسكرية قد حققت الى الان جزءا من أهدافها. ويبقى الرهان على التفاعل الشعبي في الداخل من اجل التحرك لمواجهة الحوثي والاستفادة من الغطاء الجوي بتشكيل اصطفاف وطني خلف الشرعية ليتم استعادة الدولة ومؤسساتها ممن استولوا عليها.
يرى كثيرون انه لو تأخر التدخل العسكري للتحالف العشري في اليمن ساعات لسقطت عدن في يد الحوثيين وأصبحت بالتالي في عداد العواصم العربية الأخرى التي ما برحت تكون تحت الهيمنة الايرانية، وهذا يعني فيما لو تحقق أنه تغيير جذري للمعادلة الاقليمية ومزيد من التعقيد للمشهد برمته.
كان الامر يتجه الى الأسوأ فالحوثيون ينفذون اجندة خارجية وقد يأخذون البلاد الى حرب أهلية والتي ستكون اشد تدميرا مما حدث في العراق وليبيا. كما ان القاعدة ستكون أكثر المستفيدين من الفوضى الجارية، فالوضع مثالي لهم من مناخ للعنف والصراع مع خصم طائفي وهذا يعني ان الحاضنة الشعبية للقاعدة سوف تتوسع وتزداد يوما بعد يوم لا سيما بعد تعرضهم لممارسات وأفعال الحوثي. ولذلك كان من اتخاذ القرار الصعب والتاريخي الذي سيغير وجه المنطقة بلا ادنى شك.
لقد جاء قرار اتخاذ الحل العسكري في قالب شرعي وقانوني ومرجعية دولية استنادا على ميثاقي الأمم المتحدة والجامعة العربية، في بلد له أهمية من الناحية الجيوسياسية، كونه يقع جنوب أكبر دولة نفطية في العالم ويطل على باب المندب، ويقابل القرن الإفريقي المضطرب ما يجعله هدفاً لأطراف راغبة في استخدامه كنقطة عبور لهذه الاتجاهات، استنادا لمصلحة كل طرف؛ فالقاعدة وجدت في هذه المنطقة مرتعا آمنا لها، وإيران وجدت في القاعدة والحوثيين أداتين طيعتين مثلهما مثل حزب الله في لبنان، فهما أدوات لتكريس الهيمنة الإيرانية في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى وسائل فاعلة لإشغال الرأي العام الإقليمي والدولي عن حقيقة ما يجري في إيران من حراك داخلي.
جاء تحالف الحوثي مع الرئيس المخلوع صالح فضلا عن القاعدة وبالتالي تواصلهم مع طهران يعزز تلك المقولة التي تقول انه لا توجد عداوة دائمة او صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة، بمعنى أن ما يحدث ليس سوى تقاطع للمصالح التي تتمثل في تهديد امن واستقرار دول الخليج.
القرار التاريخي في "عاصفة الحزم" إن ارتهنا للحقيقة، أنقذ اليمن من الانهيار وحمى الشرعية من الاختطاف الميليشاوي وحقق التوازن للإقليم وأحبط المشروع التوسعي الفارسي وأعاد الهيبة للعرب وكرس الاعتماد على الذات.
&
التعليقات