رياض نعسان أغا

بعد أن أخفق المشروع القومي في تحقيق أي شيء من شعاراته عبر نصف قرن ويزيد، ظهر ما سمي برز المشروع الإسلامي، ولكنه وقع في فخ التطرف، فوجد العرب أنفسهم بلا أعمدة يرتكز عليها بناء أمتهم، وكان العمودان الرئيسان هما العروبة والإسلام، فأما العروبة بوصفها جامعة فقد هوى مشروعها منذ أن استبدت بها الديكتاتوريات العسكرتارية، حيث تحكم في مصير عدة أقطار عربية مستبدون استولوا على السلطة تحت رايات ثورية، ومنحتهم بعض الشعوب ولاءها أملاً بأن يحققوا شيئاً مما أعلنوا من أهداف وشعارات، وكانت الوحدة أول هذه الشعارات التي هتف لها الناس، ولكنهم باؤوا بالخيبة المريرة حين رأوا- مثلاً- أن أخطر قطيعة بين سوريا والعراق عبر التاريخ كله كانت في عهد «البعث» بشقيه، وأما الحرية فقد صارت كالعنقاء، وأما الاشتراكية فقد صارت الرمضاء.

وكانت الدول العربية التي لم تعنَ بالترويج للشعارات الوحدوية والاشتراكية والثورية والتقدمية ولم تخض غمار الصراعات الحزبية والعكسرتارية أفضل حظاً حين انصرفت إلى الإفادة من ثرواتها في نهضة عمرانية وبنى اقتصادية وخدمية، ووفرت لشعوبها عدالة قضائية واجتماعية وصلت بها إلى بناء مجتمع الكفاية ثم مضت نحو الرفاهية، ولم تغفل بالطبع عن بناء قواها العسكرية الدفاعية ضمن خصوصياتها، ولم تظهر فيها ملامح استبداد قاهر يتيح ظهور ظلم اجتماعي.

&


واليوم يتحدث كثير من المثقفين العرب عن غياب مشروع عربي يواجه تصاعد الصراعات الإثنية والمذهبية والطائفية التي تهدد مستقبل الأمة، بينما تنمو بقوة مشاريع أخرى في المنطقة، هي المشروع الصهيوني، والمشروع الإيراني، والمشروع التركي، على اختلاف مساراتها، فضلاً عن تأثيرات وتداعيات المشاريع الدولية الكبرى كالمشروع الأميركي والمشروع الأوروبي والمشروع الروسي.

أما المشروع الصهيوني فقد صار أكثر استقراراً وطمأنينة بعد تحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى قضية ثانوية أمام تقدم الصراع العربي الإيراني (أو السني الشيعي) إلى الواجهة، وهذا أخطر القضايا الراهنة، وقد فُرِض هذا الصرع على العرب منذ أن بدأت إيران بتنفيذ مشروعها التوسعي، واحتلت الجزر الإماراتية الثلاث ثم أصرت على أن الخليج «فارسي» رافضة أن يكون خليجاً إسلامياً حتى بما ينسجم مع شعارات ثورتها الإسلامية! وقد حاول العرب بعد حرب الثمانينيات بناء علاقات جوار طيبة مع إيران ولكن إصرارها على النفوذ في العراق وفي لبنان وامتدادها الراهن إلى سوريا بما يشبه الاحتلال، ومن ثم التفافها على اليمن جعل الأمة مضطرة إلى الدفاع عن نفسها قبل أن تحكم عقد الطوق على عنق الأمة من شمالها إلى جنوبها، وهذا ما جعل عاصفة الحزم قراراً صائباً واستجابة موضوعية للتحدي وانتصاراً لإرادة الشعب اليمني وحفاظاً على الشرعية التي اختارها بعد ثورته. وقد أيدت الشرعية الدولية في مجلس الأمن القرار العربي الذي امتنعت عن التصويت عليه روسيا تقرباً من إيران التي تبدو مصرة على معاداة العرب متجاهلة ما بينها وبينهم من جوار جغرافي وشراكة تاريخية وحضارية ومصالح اقتصادية، ويبدو أن قادتها مصممون على هدم هذه المقومات بدوافع عرقية ومذهبية وبحلم إمبراطوري يجعل الانتماء الفارسي يطغى على الانتماء الحضاري الإسلامي الذي ينبغي أن يجمع العرب مع الفرس والأتراك في رؤى مشتركة لصالح شعوبهم دون تجاوز للخصوصيات ودون عدوان أو طغيان.

إننا ندرك أن العلاقات العربية الإيرانية محكومة بهذا الجوار الجغرافي، وبوسعنا معاً أن نجد في صفحات الشراكة الحضارية ما يمكننا أن نبني عليه بدل البناء على النزعات الشعوبية التي أساءت إلى العرب والمسلمين عبر التاريخ، والمؤسف أنها هي ذاتها التي تلهم قادة إيران اليوم وتجعلهم يتطلعون إلى التوسع والنفوذ وإثارة الفتن الطائفية لتفتيت قوى الأمة العربية والإسلامية. ونحن نتفاءل بعاصفة الحزم فيما هو أبعد من استعادة الشرعية في اليمن، فهي بداية نهوض لمشروع عربي يستعيد مفهوم الأمن القومي. ولئن كان العرب في تاريخهم يعتزون بيوم ذي قار ويرونه بداية نهضوية تحررية، فإننا نجد في عاصفة الحزم انطلاقة لروح الأمة، ونأمل أن تجتمع قواها سريعاً لإيجاد حل حاسم للقضية السورية تطفئ فيه نيران الحرب الضارية التي توقدها إيران وتضرمها روسيا ويحترق بلظاها الشعب السوري كله.
&