&محمد كريشان

& تصريح غير مسبوق ضد السعودية ومن شخصية لها مكانتها في إيران، فقد قال اللواء محمد علي جعفري القائد العام لقوات حرس الثورة إن»المسؤولين في البلاد كانوا يتجنبون الحديث عن السعودية لبعض الاعتبارات الخاصة، أما الآن حيث العدوان الغاشم يتواصل على شعب اليمن، لابد أن نضع هذه الاعتبارات جانبا» واصفا نظام الحكم في الرياض بــأنه «يمضي اليوم على خطى الصهاينة وإسرائيل، ويسير على نهجها خطوة بعد أخرى، وهو آيل إلى الانهيار والسقوط».
جاءت تصريحات جعفري في ;كلمة ألقاها أمس الأول الاثنين أمام المهرجان العلمي والبحثي السادس الذي تنظمه العلوم الطبیة في قوات الحرس الثوري وفيها كذلك قال إن «نظام آل سعود یواجه الانهیار وآیل للسقوط وقد أجمع المحللون الإقلیمیون والأجانب علی هذا الموضوع، ونأمل أن یتم تحقیق هذا الأمر قریبا».


صحيح أن العلاقات الإيرانية السعودية توترت كثيرا بعد «عاصفة الحزم» في اليمن لكن لا أحد من مسؤولي الصف الأول تحدث بمثل هذه اللهجة تجاه السعودية، مما يشير ربما إلى احتمال أن تكون الدوائر «الثورية» في إيران من أمن ومخابرات وحرس ثوري هي الأكثر تأثرا مما جرى هناك، وبالتالي جاءت صرختها على قدر الألم الذي تشعر به والضرر الذي أصابها. من يقارن بين لهجة جعفري وبين مختلف التصريحات السياسية الإيرانية المنتقدة للرياض بخصوص اليمن سيلاحظ بلا شك، رغم وحدة الموقف المناهض، فرقا كبيرا في اللهجة والمفردات مع ما قاله مثلا المرشد خامنئي أو الرئيس روحاني وصولا إلى وزير الخارجية ظريف.
ليس من السهل شرح هذا التفاوت، ذلك أن تفكيك دلالات تصريحات المسؤولين في إيران غالبا ما يعكس تجاذبات أو صراعات بين حلقات السلطة نفسها وخاصة بين تلك المرتبطة بالأمن والجيش والمخابرات والحرس الثوري والأخرى العاملة في الحكومة والأوساط الدبلوماسية والشأن السياسي العام. الأولى تبدو الأكثر تشددا وعنفا عند خوضها في الملفات ذات الصلة بطهران، فيما تحرص الثانية على إضفاء بعض الصياغات غير الصادمة حتى وإن إلتقيا معا في الوجهة. لا أحد يدري بالضبط أيهما أصدق تعبيرا عن حقيقة الموقف الإيراني ولا ما إذا كانت الأدوار مرسومة على نحو تتناغم فيه التصريحات دون أن تصطدم ودون أن يكون ذلك يعني بالضرورة إختلافا موضوعيا يمكن أن تعلق عليه أية آمال ضعيفة أو عريضة.
هذا الغموض أو التعقيد في السياسات الإيرانية، الذي غالبا ما يفتح باب التكهنات غير المسنودة بالوقائع أو باب الأماني ليس أكثر، هو ما دفع كاتبا فرنسيا مثل «ماتيو أنكيز» إلى إصدار كتاب قبل بضعة أشهر تحت عنوان: «الجغرافيا السياسية لإيران، قوة خطيرة أم بلد غير مفهوم؟» حاول فيه بخرائط عديدة وحقائق مقدمة بألوان مختلفة أن يقرب قدر الإمكان المواطن الغربي، ولا سيما الفرنسي، من فهم الحد الأدنى من السياسات الإيرانية المتشابكة وإن اعترف في المقدمة بأن كتابه وإن هدف إلى تقديم المعطيات الأساسية التي تساعد القارئ على فهم التموقع الدولي لإيران المعاصرة إلا أنه من الصعب «تقديم بلد بهذا الثراء والتعقيد في بضعة عشرات من الصفحات». ويخلص الكاتب المختص في الشؤون الإيرانية، وصاحب الكثير من البحوث في هذا المجال في آخر كتابه الصادر في باريس عن دار «أرقوس»، إلى أن إيران باتت اليوم ومنذ انتخاب حسن روحاني رئيسا للبلاد في 2013 في قلب تقاطع طرق حقيقي بالنسبة للمستقبل نحو اتجاهات مختلفة:
- مزيد من الانغلاق في منطق التحدي الذي سيزيد من عزلتها التي ستدخلها في امتحانات قوة لا يمكن أن تنتصر فيها. وهذا هو ما يمكن أن يختاره غلاة المحافظين.
- البحث عن التهدئة من أجل تطبيع مع العالم يبقي على نظامها السياسي الفريد من نوعه مع دفع التنمية الاقتصادية التي يمكن أن تجمع حولها الناس أكثر من منطق الواجهة (يمكن هنا استحضار فرحة الإيرانيين بالاتفاق المبدئي الأخير حول ملفها النووي لما يحمله من وعود برفع عقوبات إقتصادية أثقلت كاهلهم). هذا ما يدفع باتجاهه الرئيس روحاني.
- الإصلاحيون يريدون الذهاب أبعد من ذلك في الليبرالية الاقتصادية مع المحافظة على الجمهورية الإسلامية كإطار مرجعي ليس إلا. هذا التوجه معقد لأنه يرمي إلى مصالحة نظام إيديولوجي إقصائي بطبعه مع حرية سياسية أوسع.
- احتمال أخير يظل ممكنا في المدى المتوسط على الأقل وهو سقوط النظام إذ لا نظام مؤبدا في العالم مما سيفتح المجال إلى التخلص من إيديولوجية نظام مريبة ويفرز إيران قوية ومتحالفة مع الغرب من جديد بل القوة المهيمنة في المنطقة وهو ما يستجيب إلى تطلعات معظم الإيرانيين.


فإلى أين تراها تسير طهران على الأرجح؟!.

&

&
&