ملحة عبدالله

أثبتت العاصفة أن العرب أحوج إلى السعودية ومصر أكثر من حاجتهم إلى الولايات المتحدة، وهذا ما سبب صدمة قوية للغرب بأكمله، فالعرب أدركوا ذواتهم واستبطنوها وعلموا أنهم قوة بشرية وعقائدية واقتصادية

&


سلمان بن عبدالعزيز شعب بأكمله في ثوب قائد، احتوى شعبه فأحبه، فدعمه والتف حوله في حب قبل الطاعة والولاء.


عاصفة الحزم ليست حرب جيش لجيش، بعتاده وخبراته وتقنيانه، بل عقيدة وشعب يلتف حول قائده، فإذا ما التف الشعب حول قائده كما في شعب المملكة بهذا الحب وهذه العقيدة والولاء ما استطاعت قوة على وجه الأرض أن تقترب من حمانا.


الشعب السعودي يعرف حكامه ويعرف دهاءهم وقوتهم، ويعرف أيضا قوته وعقيدته وارتباطه بأرضه وعرضه وشرف عروبته، وتلك هي لب القضية.
في يومنا الثامن من عاصفة الحزم نتابع بدقة كل ما يجري في ساحة المعركة، وكيف اتخذت مكانا بارزا في عيون العالم، وكيف أحدثت صدمة كبيرة للأعداء قبل الأصدقاء، بأن تحت الرماد نار مشتعلة إذا ما رفع صمامها أذهلت العالم.


ليس فقط لما تتمتع به المملكة من قوة ودرع وسيف وكل تقنيات الحرب، سواء كانت دفاعية أو هجومية، بل أيضا بقوة جأش وشراسة جند لم يخلق مثلهم على الأرض، وسبق أن قلت في ملحمة لي:
أسميت قومي ربع نار. سيل لظاها انحدر
جماعتي عشاق نار من دونها العيش كدر
برد سلام للذي يمينه تطلب أزر
في الذود تغلى ذاتهم غلي المراجل والقدر
لا تأمن النار التي في جوفها الغضب انحسر
مهما حكمت زمامها في غفلة قد تنفجر
وكذا نفوس شم الأنوف تأبى روائح الظفر
عجيب جامع الضدين في شخصه نار ومطر
مطر مطر مطر مطر
هذه هي شخصية بلادي وأبنائها وجيوشها من تاريخ قديم اجتمعت فيها سمتا النار والمطر، اللذين كان يعشقهما في عيشه ووحله وترحاله.


هكذا انطبعت الشخصية وهكذا تشكلت، وهكذا هي جنود خير أرض الله، وكذلك هو التراث المتجلي في عاصفة الحزم بقيادة الملك الطيب والحازم في اللحظة ذاتها سلمان بن عبدالعزيز.


إن لعبة حصان طروادة لم تعد تنطلي على أحد، فقد جربت في مصر بحجة حماية الأقليات وزرع الفتن بين المسيحين والمسلمين، وثم حينما فسد الحصان وخارت قواه تحولت إلى ما يسمى بالشيعة والسنّة، ومحاولة اللعب على هذه اللعبة السخيفة باتت ممجوجة وسمجة وفقهتها الشعوب، فقد دمرت لبنان من قبل وكادت أن تفتك بشعب مصر.


الجيوش العربية استيقظت ولم تعد جيوشا هامدة، تمثل ذلك في تكوين درعها العربي -وأتوقع أن يكون قوة عظمى بإذن الله- الذي تقرر في مؤتمر شرم الشيخ للذود عن وطننا الغالي وحماية أراضيه وأراضي كل العرب، في ظل الاستهانة التي كنا نلحظها في عيون القوى العظمى وجيوش الأعداء. هذا الدرع سيدير الرؤوس ويذهل العقول ويرد الكرامة ويحمي الأوطان ويحفظ السلام العالمي بطبيعة الحال إذا ما أدرك العالم أبعاده ونواياه.
يقول علي نصر الدين وهو المحلل السياسي والمقيم في باريس على قناة الإخبارية أول من أمس: "لم يشعر العالم العربي والمواطن العربي بالعزة والرفعة والكرامة، مثل هذا اليوم".
وهذا بطبيعة الحال هو حال كل عربي، فالعرب لم تعد لقمة سائغة لا لهذا ولا لذاك.


المملكة قائمة على الأمن والأمان والسلم والسلام، وكان واضحا في مشروع الملك عبدالله، رحمه الله، في دعوته ومشروعه للسلام في 2006، وفي سعيه الدائم للمصالحة بين كل طرفين متشاحنين. وفي المقابل تستعمل إيران كل قواها الإعلامية وكل أساليبها لتوقد نار الحروب والفتن في أرجاء الوطن العربي شرقه وغربه، بينما شعبها يتضور جوعا ومهانة. وهنا تكمن المفارقة!
وزير خارجيتنا الأمير سعود الفيصل أوضح أيضا: أننا لسنا دعاة حرب، وأنه إذا دقت الحرب طبولها فنحن لها.


لقد أثبتت العاصفة أن العرب أحوج إلى السعودية ومصر أكثر من حاجتهم إلى الولايات المتحدة، وهذا ما سبب صدمة قوية للغرب بأكمله، فالعرب أدركوا ذواتهم واستبطنوها وعلموا أنهم قوة بشرية وعقائدية واقتصادية، وهذه قوة يعرفها مصممو المعارك والقائمون عليها في كل مكان.


لذلك بادرت الأمم المتحدة بالإفراج عن عتاد عسكري مصري لديها طالما طالبت مصر به ولم يستجب لها أحد، وهذا حسن نصرالله في خطابه أول أمس يحتسي عشرة أكواب من الماء دونما يعلم أن ذلك دلالة على جفاف حلقه مما يراه على غير توقع.


وفي ضوء كل ذلك، أعتقد أن هناك ثغرات يجب الانتباه إليها، وهي تلك الحرب الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يجب التصدي لها بجيوش أكثر دراية كما في الجيش المصري الإلكتروني الذي هدم الكثير من معاقل الحاقدين من أعداء مصر، فعلى الرغم من وعي المواطن بما يدور على تلك المواقع وأنها ترهات المقهورين، إلا أنه يجب التصدي لها.
&

كما أننا نحتاج إلى عاصفة حزم إعلامية إزاء ما يقدمه ذلك الإعلام الموجه والمغرض. وقد سبق وكتبت مقالا بعنوان "متى تكون الإخبارية إخبارية"، متمنية أن تصد وترد على ما تقدمه بعض القنوات الإخبارية الموجهة ضد المملكة، إلا أنها أصبحت في هذه الظروف إخبارية بحرفية ووعي وتقنية على كل المستويات، من المؤثرات السمعية والبصرية وبقدر كبير ومؤثر وحافز وباعث على التنوير والشفافية لكل وسائل الإعلام المحلية والعالمية ومن قبلها المشاهد العربي في كل مكان.


وفي غمار النصر وفي زهو الانتصار لا يجب بطبيعة الحال أن نغتر، وأن نلوح بأيدينا فائزين بقدر ما ندعو ونبتهل لله عز وجل بنصر جيشنا ومليكنا ووطننا، لأن النصر والكرامة بيد الله في أول الأمر وآخره.
&