&محمد عبد الهادى علام

&

&

&

تباينت ردود فعل الشارع المصري والعربي بعد انتهاء القمة العربية السادسة والعشرين بمدينة شرم الشيخ إزاء ما سمعوه من القادة والزعماء، خلال عقد القمة التي تصادف عقدها مع العيد السبعين لتأسيس الجامعة العربية،

&


وسط كل الأنواء والأوضاع الحرجة التي عصفت بـالمنطقة العربية في السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، فهناك ترحيب عام بالدعوة إلي تشكيل قوة عربية مشتركة بناء علي دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهناك أمل في أن تكون القمة بداية استفاقة للأمة، حيث حالها لم يترك أمامها خيارا آخر سوي الصراحة في مواجهة مشكلاتها المعقدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو مشكلات التعايش الاجتماعي والديني بين شعوبها .

المعضلة الأكبر هي أن مقدرات الأمة العربية تصنع خارج حدود دولها برغم أنها تملك الكثير من الأوراق التي يمكن التعويل عليها في صناعة قرار عربي موحد لو كانت الرؤية صافية والنيات صادقة في الخروج من دائرة العبث الراهنة إلي واقع جديد يليق بما نحلم به من يقظة عربية جديدة.

&

القمة العربية الأخيرة كانت مهمة علي مستوي الأمن القومي العربي، وقد كانت الهموم، التي طرحتها مصر بشأن المخاطر التي تهدد شعوب المنطقة، منسجمة مع التهديد الذي تشعر به كل دولة علي حدة، سواء في المشرق أو المغرب. وفي إعلان شرم الشيخ اتفق القادة علي تعرض مفهوم الدولة الوطنية للخطر الشديد: «إن بنيان الدولة وحماية أراضيها أصبحا محل استهداف.... مفهوم الدولة الحديثة يصطدم في المنطقة العربية بمشروعات هدامة تنتقص من الدولة الوطنية».

&

إذن الخطر كل الخطر أن نتعامل باستخفاف مع تلك التهديدات في مواجهة قوي الهدم حولنا، فالبعض باسم الثورة يسهم في تخريب مقدرات الدولة الحديثة، وهو ما حدث في مصر علي مدي أربعة أعوام قبل أن يفيق الشعب في الوقت المناسب، وتتمكن مصر من أن تقود تحركات عربية واعية لاستكمال تلك الصحوة وتدعو شعوب المنطقة إلي مراجعة حاضرها، انطلاقا إلي مستقبل أفضل .. وهي مهمة ليست هينة وليست مضمونة النتائج في ظل تعقيدات المشهد الراهن وتدخلات قوي دولية وإقليمية كثيرة .. لكن مصر لا يمكنها ساعة الخطر أن تتراجع عن تنبيه الأمة..

&

&

&

لم يترك تهديد الجماعات الإرهابية مساحة أكبر من التفكير للدول والحكومات، التى تقف علي أقدامها، أو التي لم يدركها إعصار التطرف والإرهاب بعد، قبل أن تعلن وقوفها صفا واحداً، فى مواجهة أكبر خط يتهدد بقاء الدولة العربية الحديثة. وقد كانت رؤية مصر واضحة في تركيزها علي أولويات بعينها فى مقدمتها دعم مسارات الحل السياسي، دون التراجع عن تبني فكرة التدخل العسكري في الحالات التي تستوجب قرارات حازمة وتمثل تهديداً فعلياً للأمن القومي المصري وتهديداً لأمن منطقة الخليج العربي، وهي المنطقة التي تواجه تمدد القوة الإيرانية في العالم العربي إلي مستويات غير معهودة في التاريخ المعاصر سواء بالوجود الفعلي في قلب المنطقة، استغلالا لحالة التفكك والضعف، التي أعقبت ثورات شعبية، أو بالنفوذ عبر شركاء محليين مثلما هو الحال في الحالة اليمنية التي هي محصلة تعقيدات سياسية وقبلية ودينية مزمنة.

&

لذا جاءت دعوة الرئيس السيسي إلي اليمنيين، في الندوة التثقيفية السادسة عشرة للقوات المسلحة يوم الثلاثاء الماضي، من أجل تغليب مصلحة بلادهم، حيث ناشدهم بالتحلي بالمسئولية والشجاعة «في اتخاذ القرار السليم، من أجل بلادكم وشعبكم»، وهو ما يؤكد أن مصر تسعي للحلول السياسية قبل التفكير في التدخل العسكري ولكنها لن تقف صامتة في مواجهة تصاعد التهديدات ضد الأمن القومي المصري والعربي.

&

فلأول مرة تتفق غالبية من الدول العربية، وبدعم من دول صديقة خارج المنطقة علي التحرك الموحد في الإطار العربي وعلي رفض «مكافأة المعتدي» بدعوي تسهيل التوصل إلي حل سياسي للأزمات الحرجة. في الوقت نفسه، موقف مصر واضح ولا يحتمل المزايدات فيما يتعلق بطبيعة الصراع في اليمن، فهي ترفض تسمية الصراع بأنه «سنى شيعى» ولكنه علي حد تعبير وزير الخارجية السفير سامح شكري، صراع المصالح ولا يفيد صبغ الصراع بالطابع الطائفي سوي من يريد تبرير جرائمه وإشاعة الفتنة في سائر المنطقة. وينطبق ذلك علي حالات الصراع في العراق وسوريا وليس اليمن وحده.

&

وفي شأن التدخل العسكري في اليمن، هناك أسئلة عديدة تشغل بال الشارع العربي، عن طبيعة التدخل وأهدافه خاصة أن الضربات الجوية لا تملك وحدها تعديل الأوضاع علي الأرض والحسم في الحروب الحديثة مازال في يد التدخل البري، فما هي الضوابط؟ وما هي الإجراءات الكفيلة بعدم الوقوع في فخ تدخل بري يطول لسنوات؟ وما هي طبيعة تركيبة القوي البرية التي يمكنها التدخل؟ وكيف يمكن دعم الجيش اليمني وإعادة بناء قدراته، ومن هي الأطراف التي يمكنها الإسهام في وقوف الجيش علي قدميه من جديد؟

&

... أسئلة يتعين الإجابة عليها قبل القرار الأخير.

&

وكما أن الحدود الجغرافية لم تعد تمثل عائقا أمام تقدم جماعات الإرهاب فإن المواجهة معها سواء علي المستوي الأمني أو مستوى الخطاب الديني تتطلب المصارحة التامة والوضوح في المبادئ التي تحكم تفكير الدول المحورية في العالم العربي.

&

وعلي سبيل المثال فإن الموقف المصري من الصراع داخل سوريا واضح، فمصر ترفض سقوط الدولة السورية أو المساعدة في هدم أركانها تحت دعوي الخلاص من حكم بشار الأسد، وهي تري أن النظام القائم في دمشق يجب أن يكون جزءا من الحل... والحوار بين كل الأطراف ليس خيارا ولكنه أمر وجوبي في المرحلة الحالية، وتلك نقطة مازالت محل خلاف بين القاهرة وبعض العواصم العربية المؤثرة في القرار العربي الموحد.

&

وكذلك الموقف المصري من الوضع في ليبيا علي حدودها الغربية يستند إلي أهمية التحرك العربي المشترك لدعم الجيش الوطني لمواجهة جحافل التنظيمات المسلحة والمتطرفة، وكانت مصر تأمل في وقفة عربية أكثر حسما لدعم كيان الدولة الليبية إلا أنها لن تتواني عن تقديم المساندة لتطهير جوارها من دنس الجماعات الإرهابية، وهو ما عبر عنه وزير خارجية ليبيا أمام القمة قائلاً ان الدعم المصري «مدعاة للفخر والاطمئنان».

&

في ظل تعقيدات الموقف في سوريا والعراق واليمن وليبيا، أمام القادة العرب اختبار في المصداقية، فقد تعهدوا في إعلان شرم الشيخ بالعمل علي عدم بلوغ بعض الأطراف مآربها في تأجيج نار الفتنة والفرقة والانقسام، حفاظا علي تماسك كيان الدول العربية وحماية أراضيها واستقلالها ووحدة ترابها وسلامة حدودها. وفي التعهد الأخير تحديداً هناك مهمة داخل البيت العربي الواحد تتعلق بوقف تدخلات الأطراف الخارجية وعدم السماح لإسرائيل وتركيا وإيران بممارسة أدوار تعوق العمل العربي المشترك في تلك المرحلة، وهناك مهمة استكمال وحدة الموقف من خلال وقف ازدواجية التصرفات في بعض العواصم، فدولة مثل قطر ينبغي أن توضع أمام مسئولياتها بوضوح حيث مازالت قناة الجزيرة تلعب الدور نفسه, ومازالت أطراف عربية, تدعم مصر, تري في قطر والجزيرة وسيلة مفيدة من أجل إبقاء مصر «ممسوكة» علي حد قول أحد السياسيين العرب.

&

ليس في مصلحة دولة عربية واحدة ما يجري علي أرض قطر وعلي شاشة قناتها، وهو ما رددناه مرارا وتكرارا، ويغيب عن أطراف مؤثرة في المنطقة أن مصر لا تقايض أمنها الداخلي تحت أي مسمي ولا تعرف بشأنه مواءمات لا تعنيها..

&

وفي مواجهة تضاؤل مساحات الحوار والتفاقم الحاد في الصراعات الداخلية في دول عديدة، وتغليب قوة السلاح علي قوة الكلمة والتفاهم بين الفرقاء، جاءت كلمة الرئيس السيسي أمام القمة، تحمل رسالة إلي الشعوب العربية عن خطر تقلص مساحات الحوار بسبب الاستقطاب الحاد علي مواقع التواصل الاجتماعي وتحولها من مصادر للمعلومات والتحليل المبني علي حوارات ناضجة إلي معول هدم وتفتيت بينما تمر الأمة العربية بمرحلة دقيقة يتهدد فيها بقاؤها.

&

نعم.. لقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في فتح النوافذ أمام أجيال جديدة وإطلاق طاقات التفكير والفعل في ثورات الربيع العربي ولكنها تحولت اليوم علي يد البعض إلي وسيلة تهديد للاستقرار وترويج للصراعات الداخلية وللفتنة بين الشعوب بعيداً عن الأهداف السامية التي يمكن أن تضيفها تلك الوسائط الإعلامية إلي التاريخ الإنساني والتي يمكن إجمالها في تغليب الحوار والتفاهم والمساعدة في التنمية والتطور السياسي والاجتماعي في مجتمعات اعتادت علي الانغلاق السياسي والفكري عقودا طويلة.

&

في ظل عيش العالم العربي حالة من الفراغ الفكري والثقافي وغياب مشروع قومي حقيقي، تأتي دعوة الرئيس السيسى للاستخدام المتعقل والرشيد لوسائل التواصل والمعلومات الحديثة والاتصالات ــ التي فقدت الكثير من بريقها ومصداقيتها، بعد أن أسهمت في السنوات الأخيرة في نشر الشائعات والأكاذيب وتحولها إلى ساحات للبذاءة - في سياق المبادئ التي تحكم السياسة المصرية الحالية حيث لا يمكن إصلاح المجتمعات فكريا وثقافيا دون ثورة العقل ومحاصرة أسباب التشتت والفرقة وكشف معاول الهدم المستشرية فى جميع وسائل الاتصال الحديث.

&

الرئيس يدرك أن استنهاض الأمة فكريا وثقافيا وإصلاح الخطاب الديني, لن يكون عن طريق نشر التعصب والفرقة ولكن عبر الحوار البناء والموضوعى, ومواقع التواصل تمثل ركنا مهما في الإصلاح.

&

فالمبادرات المصرية السياسية والعسكرية والثقافية لا تنفصم عراها عن نظرة شاملة لمجمل أوضاع المنطقة.. فلا يمكن التعويل علي إصلاح في جانب وترك جوانب أخري دون تنبيه إلي السلبيات أو النواقص فيها.. فلا يمكن إصلاح جزء من الصورة دون تدبر كل جوانبها.. وإلا ستكون مجرد مهدئات أو مسكنات للأوضاع البائسة وليست حلاً ولنا في تاريخ المنطقة العربية علي مدي أكثر من 70 عاماً عبرة وعظة.

&