&&خورشيد دلّي

&

&

&

&

&


&

&

تسير العلاقات التركية– الإيرانية وفق معادلة حساسة، يحكمها التنافس الإقليمي من جهة، والحرص على المصالح الضخمة المشتركة من جهة ثانية. في الحالة الأولى، كثيراً ما يأخذ التنافس مظهر الاشتباك على القضايا المتفجرة في سورية والعراق واليمن... وفي الحالة الثانية، السعي إلى تحييد المصالح الاقتصادية والأمنية عن تداعيات هذا الاشتباك، لكن، يبقى إيقاع هذه العلاقة مرتبطاً إلى حد كبير بالتطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة.

«عاصفة الحزم» محطة فاصلة، فهي وضعت العلاقات بين البلدين أمام اختبار جديد، خصوصاً إذا تطورت «العاصفة» إلى تدخل بري، وكان لافتاً الموقف التركي القوي الداعم لها، بل إن الرئيس رجب طيب أردوغان رفع من سقف اللهجة التركية عندما اتهم طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية لسورية والعراق واليمن، داعياً إياها إلى سحب قواتها من هذه الدول، وان الصبر على السياسة الإيرانية هذه لم يعد يحتمل، وهو ما يعكس تصاعد وتيرة الصراع بين أنقرة وطهران منذ بدء الثورات العربية في تونس ومصر وانتقالها إلى اليمن وسورية، فالتطورات الدراماتيكية في هذه البلدان عمقت من الانقسامات التركية- الإيرانية أكثر فأكثر، لاسيما في سورية والعراق، حيث الصدام العميق بين البنى الاجتماعية يأخذ شكل حروب متداخلة طائفياً على المستويين المحلي والإقليمي. فتركيا وإيران وقفتا على النقيض إزاء ما يجري في سورية والعراق، كل طرف لأسبابه ودوافعه واستراتيجيته، فطهران أعلنت دعمها الكامل للنظام السوري، وهذا طبيعي ومفهوم في ظل التحالف القائم بينهما منذ أكثر من ثلاثة عقود، وانطلاقاً من هذه الرؤية تحركت إيران على كل المستويات لدعم النظام السوري في حربه ضد خصومه في الداخل والخارج، فيما على العكس تماماً، تحركت أنقرة في كل الاتجاهات لإسقاط النظام السوري. والخلفيات نفسها تنطبق على ما جرى ويجري في العراق واليوم في اليمن، وإن اختلفت ظروف كل ساحة. وعلى هذا الأساس ينبغي النظر إلى الموقف القوي الذي صدر عن أردوغان بدعم عاصفة الحزم والردود الإيرانية الغاضبة عليها، والتي وصلت إلى حد المطالبة بإلغاء الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها أردوغان إلى إيران غداً.

والحقيقة أن انتقادات أردوغان لسياسة إيران مع بدء «عاصفة الحزم» شكلت أقوى موقف تركي ضد إيران حتى الآن، بعد أن حرصت أنقرة على عدم الصدام مع إيران، فأردوغان اتهم إيران للمرة الأولى بالسعي «إلى الهيمنة على المنطقة وان هذا الأمر لم يعد يحتمل»، كما دعاها إلى «سحب قواتها من اليمن وسورية والعراق»، وأرفق أردوغان تصريحاته بالإعلان عن دعمه «عاصفة الحزم» وإبداء الاستعداد لتقديم لوجستي بهذا الصدد. تصريحات أردوغان هذه فجرت عاصفة من الردود في إيران، ففيما استدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال التركي في طهران باريش صايجي احتجاجاً طالب عدد من النواب والمسؤولين بإلغاء زيارة أردوغان إلى طهران، لكن الردود الإيرانية الغاضبة لم تغير من التأييد التركي لعملية «عاصفة الحزم»، بل إن أنقرة كشفت عن أنها كانت على علم مسبق بـ «عاصفة الحزم»، في إشارة إلى تنسيق سعودي– تركي في ظل تحسن في العلاقات بين البلدين.

ثمة من يرى أن الاشتباك التركي– الإيراني الجديد بسبب «عاصفة الحزم» لن يغير من قواعد لعبة التنافس التقليدية بين البلدين، فالصراع على الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس لم يفجر العلاقات بينهما حتى الآن، بل ظل البلدان يعملان على تطوير علاقاتهما الاقتصادية وكأن لا علاقة للمصالح الاقتصادية هذه بالصراع الجاري، فالمشاريع الضخمة في مجال النفط والغاز والتجارة تسيل لعاب الجانبين وتجعل من كل طرف ينظر إلى الآخر بأهمية استراتيجية كبيرة. ولعل مثل هذه النظرة قد تتعزز أكثر فأكثر مع تفاهم لوزان النووي بين إيران والغرب، خصوصاً أن تركيا لعبت في المرحلة الماضية دوراً كبيراً في الحد من تأثير العقوبات الغربية المفروضة على إيران من خلال خرق هذه العقوبات عبر علاقات مالية وتجارية ملتوية. ومع اتفاق لوزان، فإن تركيا التي تتطلع إلى أن تصبح ممراً دولياً لخطوط الطاقة، قد تتحفز أكثر لعلاقات اقتصادية أقوى مع إيران.

ولعل ما يرجح بقاء العلاقة بين البلدين في الحدود التقليدية للصراع هو الاتفاق الضمني بينهما على عدم السماح بإقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة، خصوصاً بعد تحول الأكراد في عموم المنطقة إلى لاعب إقليمي مهم، حيث طموحاتهم القومية بإقامة دولة كردية مستقلة تغير من الحدود الجغرافية للمنطقة.

في المقابل، يرى البعض أن ثمة تطورات توحي لأنقرة بأن مشروعها الإقليمي بات على أبواب مرحلة جديدة لا بد معها من تغير قواعد اللعبة التقليدية في العلاقة مع طهران، فتركيا التي بدت متضايقة جداً من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة باتت ترى في «عاصفة الحزم» مدخلا لإعادة الدفء إلى علاقاتها مع الدول العربية الخليجية، لا سيما السعودية، خصوصاً أن «عاصفة الحزم» حظيت بدعم دول إقليمية كبرى غير عربية مثل باكستان، كما أنها باتت ترى في علاقة جيدة مع السعودية مدخلاً لتحسين العلاقة مع مصر بعد أن صعد أردوغان إلى قمة الشجرة، بما يعني وجود محور أو فضاء إقليمي أشمل، وهو ما قد تراه أنقرة ورقة قوة إقليمية في صراعها مع إيران على قضايا المنطقة، ولا سيما تجاه الأزمة السورية والسعي لإسقاط النظام، حيث تحلم تركيا بـ «عاصفة سورية» على غرار «عاصفة الحزم» اليمنية.

الثابت أن أردوغان في حيرة سياسية كبيرة بين روح عاصفة الحزم واتفاق لوزان النووي، وهي حيرة لن تنتهي إلا بعد زيارته المقررة إلى طهران والنتيجة الحقيقية لتلك الزيارة.


&