الياس حرفوش

هناك مشكلة حقيقية بين الدول العربية وإدارة باراك أوباما. لا بد أن تجد الحكومات العربية طريقة للتعايش مع هذه الإدارة إلى أن ينتهي عمرها بعد أقل من سنتين. سبب المشكلة هو الخلاف العميق بين تصور أوباما لأسباب الأزمات في المنطقة ونظرة حكومات المنطقة ورؤيتها لهذه الأسباب.

&

قبل الآن كنا نعتقد أن أوباما يتخبط في قراراته، أو أنه على دراية قليلة بأزمات المنطقة. لكن الحديث المسهب الذي أدلى به الرئيس الأميركي للصحافي توماس فريدمان، والذي يجب أن يضع كل مسؤول عربي نسخة منه فوق مكتبه، يؤكد لنا ما كنا نخشاه، وهو أن أوباما يدري فعلاً ماذا يفعل، وقراراته ليست عشوائية، بل هي نتيجة استراتيجية متكاملة وضعها انطلاقاً من رؤية خاصة إلى منطقتنا ودولها وشعوبها. وهي ما أطلق عليها فريدمان «مبدأ أوباما» (Obama doctrine).

&

ما يمكن استخلاصه من هذا «المبدأ» هو مدى التقاء رؤية أوباما إلى العالم العربي مع الرؤية الإيرانية. يؤكد ذلك سعي أوباما للوصول إلى اتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، متجاهلاً المصالح والتحفظات العربية، وذلك نتيجة قناعته بأهمية الرهان على الدور الإيراني. بل إن أوباما تجاهل فوق ذلك حجم الاعتراض حتى داخل إيران على شروط الصفقة مع الغرب، وعلى توقيت رفع العقوبات، كما بدا من التحفظات الأخيرة للمرشد علي خامنئي والرئيس روحاني.

&

أما ما يجب أن يقلق العرب أكثر فهو تخفيف أوباما من أهمية خطر إيران على أمن الدول العربية، وتدخلها في شؤون هذه الدول. هنا يتبنى أوباما الحجة الإيرانية. ويقول إن «الأخطار الكبرى التي تواجهها هذه الدول قد لا تأتي من الغزو الإيراني، بل من عدم الرضا الموجود داخلها». وهو ما يتناقض مع تصريحات مسؤولين سابقين وحاليين في إدارته، كان آخرهم الوزير جون كيري، الذي أكد قبل أيام حقيقة الدعم الإيراني العسكري للمسلحين الحوثيين في اليمن، وهدد إيران بأن بلاده «لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتم زعزعة استقرار المنطقة». غير أن كيري سيكون بحاجة إلى إقناع رئيسه بهذه التهديدات ليخاف منها الإيرانيون.

&

تصريحات أوباما الأخيرة تساعدنا على فهم أسباب تخليه عن دعم الشعب السوري، وهو ما أدى إلى استمرار بشار الأسد في الحكم. فعل أوباما ذلك على رغم درايته بالدور الذي تلعبه إيران والميليشيات الحليفة لها في إطالة عمر هذا النظام. في هذا الإطار يمكن أن نضع كذلك تحالف أوباما الفعلي مع إيران في العراق، وهو التحالف الذي سمح لحزب «الدعوة» والقوى الشيعية الأخرى بالتحكم بمصير هذا البلد. كل ذلك يدخل في إطار سياسة متكاملة تلتقي فيها نظرة أوباما مع نظرية الولي الفقيه الإيراني حيال المنطقة العربية ومصير دولها. ومثل إيران، يحمّل أوباما الأنظمة العربية مسؤولية ما انتهت إليه أوضاعها، وحتى مسؤولية خروج «داعش» من مجتمعاتها، متجاهلاً الدور الذي لعبته الثورة الإيرانية نتيجة تدخلاتها في المنطقة في تمزيق المجتمعات العربية وإغراق شعوبها في صراع مذهبي يعيدها 14 قرناً إلى الوراء.

&

باللغة نفسها التي يستخدمها الإيرانيون في حملاتهم على العرب، ينتقد أوباما ما يسميها «الدول السنّية»، متجاهلاً عمداً هويتها العربية، ويشكك في قدراتها الدفاعية. ثم يدعو إلى «تعزيز الحياة السياسية في هذه الدول كي يشعر الشبان السنّة أن لديهم شيئاً آخر يختارونه غير تنظيم داعش».

&

ومع أن الرئيس الأميركي لا يفتقر إلى الحجج لانتقاد أوضاع الدول العربية، فإنه لا يجد ما يقوله عن الوضع الداخلي في إيران، هذا البلد الذي قُمعت فيه «الثورة الخضراء» بقوة السلاح عام 2009، وحيث لا يزال مرشحان لرئاسة الجمهورية تحت الإقامة الجبرية منذ ذلك العام، على رغم وعود الرئيس الحالي روحاني بالإفراج عنهما.

&

وبسذاجة لا تليق بمن يقيم في البيت الأبيض، يعتبر أوباما أن انتخاب روحاني كان تجاوباً من النظام الإيراني مع طموحات شعبه، متجاهلاً أن هدف هذا النظام من السماح بوصول روحاني كان محاولة تسويق صورة «معتدلة» عن إيران في الخارج. وقد وجد الإيرانيون على الطرف الآخر شخصاً مثل أوباما قابلاً للاستغلال، ما سمح لهم بالنجاح في خطتهم إلى الآن.
&