&
&

حافظ البرغوثي

قيل سابقاً "الصديق وقت الضيق" وأقول حالياً عند المحن يصدأ بعض الأصدقاء، وهذا لسان حال بعض الدول العربية الآن التي ما إن احتاجت إلى دعم من دول إسلامية صديقة حتى ظهر الخذلان جلياً في المواقف . فالتحرك العربي العسكري نحو اليمن كان استجابة لدعوة من الرئيس الشرعي لليمن وضربة استباقية للتحرش الحوثي المنتظر عبر الحدود الذي اتخذ شكل مناورات حوثية على جانب الحدود الجنوبية للمملكة قبل بدء "عاصفة الحزم" العربية . ولعلنا قلنا في هذا السياق قبل أشهر إن إيران في طريقها إلى تقليص برنامجها النووي لصالح طموحاتها التوسعية في المنطقة العربية وهو ما حدث فعلاً في اتفاق الإطار مع الولايات المتحدة والغرب، لأن كاهل إيران لم يعد يستطيع تحمل أعباء الحرب في سوريا والعراق واليمن عسكرياً ومالياً وبشرياً .


وكان خيارها المفاضلة بين رفع الحصار واستعادة قرابة مئة مليار دولار مجمدة في بنوك الغرب واستئناف تصدير النفط والغاز لتمويل برنامجها التوسعي أو الاستمرار في البرنامج النووي وإضعاف حلفائها السوري والحوثي و"الحشد" العراقي . فاختارت الخيار الأول لأنه يلبي طموحاتها من وراء برنامجها النووي وهو لعب دور إقليمي مؤثر في المنطقة العربية، فإذا كان لعب هذا الدور سيتم عبر رفع الحصار وتدعيم خزينتها وترسانتها وتمويل حلفائها فإنها ضحت بالبرنامج النووي مؤقتاً ريثما تستعيد المبادرة العسكرية في العراق وسوريا واليمن . لكن المريب في هذا السياق هما الموقفان التركي والباكستاني، حيث حرصت المملكة ودول الخليج على علاقات وثيقة مع تركيا رغم التحفظات المصرية العلنية ورغم محاولتها هي الأخرى استخدام ورقة "جماعة الإخوان" للعب دور إقليمي في المنطقة العربية على أمل إسقاط النظام السوري والتحكم في المستقبل السوري أو إعادة حكم الإخوان إلى مصر عن طريق تقوية نفوذها في ليبيا واتخاذها منصة للانطلاق نحو مصر .


وطبقاً لما نضج من معلومات فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قام بدور المحرض على التدخل في اليمن وضرب الحوثيين ثم تراجع بعد بدء "عاصفة الحزم" ويحاول لعب دور الوسيط بين الرياض وطهران، فيما باكستان التي طالما حظيت بدعم اقتصادي وسياسي عربي خليجي اتخذت موقفاً خجولاً ثم أعلنت حيادها . وهذا يعطي درساً للدول العربية في ضرورة الاعتماد على الذات وأن على بقايا النظام العربي أن يسند نفسه بنفسه، أما الموقف المصري فقد حاول التوفيق بين الحل العسكري ثم السياسي لأنه يتوجس خيفة من تركيا حتى قبل بدء "عاصفة الحزم" . وكانت مخاوف مصر تنبع من أن القاهرة لا تريد التفريط بسوريا حتى لا تقع في السلة التركية ولا تريد حرباً مفتوحة مع طهران وموسكو في وقت ما زالت فيه علاقاتها مع واشنطن موضع حيرة مصرية من حيث استمرار الإدارة الأمريكية في الاعتراف بجماعة الإخوان كلاعب مستقبلي في الصراع في المنطقة، وتحاول إعادة الاعتبار إلى "الإخوان" وعدم اعتبارها جماعة محظورة . وهذه النقطة كانت موضع جدل بين الرياض والقاهرة لأن مصر تعتقد أن كل الجماعات المتطرفة في المنطقة خرجت من حاضنة "الإخوان"، وأن تركيا ما زالت المحرك الأساسي للتنظيم الدولي للإخوان الذي يسلح ويمول ويدرب الإرهاب في مصر .


لكن مصر لها مصالحها الخاصة أيضاً في اليمن خاصة استمرار الملاحة في مضيق باب المندب وضرورة الحفاظ على أمن المملكة ودول الخليج، وهي تدرس الخيارات كلها . . الحوار السياسي لحل الأزمة وكذلك الحرب البرية، ولئن خرج اجتماع رؤساء الأركان في دول التحالف العربي في اجتماعهم الأخير في الرياض من دون حسم لطبيعة القوة العربية المشتركة وتبعيتها وقيادتها ومن يقرر تحركها إلخ . . من الأسئلة الضرورية إلا أن تكثيف هجمات التحالف يؤكد الإصرار على إنهاك الحوثيين وقوات حليفهم علي عبد الله صالح وتشتيتها ودعم القوى الشرعية والقبلية المناوئة لهم، فالتحالف الآن في سباق مع الزمن لحسم المعركة في وقت أسرع مما كان محدداً لأن التطورات الإقليمية لا تعمل لصالحه .


"عاصفة الحزم" ستكون معركة لها ما بعدها لأنها تعيد فرز الساحة الإقليمية مجدداً وتفرض على دول الخليج إعادة النظر في سياساتها ما قبل العاصفة لتحزم مواقف جديدة على ضوء الدروس المستفادة من التجربة اليمنية . فالدول العربية خاصة الخليجية ومصر مطالبة الآن بإثبات قدرات غير تقليدية في التعاطي مع التحديات المحيطة بها، وهذا يفرض عليها العمل بجدية لبلورة قوة عربية مشتركة على الأرض، لأن ارتداد العاصفة سيكون كارثياً إن لم تحسن الاستعداد له . فالمخطط الأجنبي لا يريد قيام دولة عربية قوية أو للنظام العربي أو بقاياه أن يعيد تنظيم صفوفه، بل يريد لدول إقليمية غير عربية كتركيا وإيران و"إسرائيل" تقاسم النفوذ في الوطن العربي .