&الجمهوريّة الافتراضيّة وحقائقها المتقلّبة بين جماعاتها المنقسمة

أمينة خيري

&

&

&

&

&


&

&

في الجمهوريّة الافتراضيّة تعريفات وطنيّة وأخرى دينيّة. وتبدو الجمهوريّة عامرة بالحروب السياسيّة، والصراعات الطائفيّة، والتلاسنات القوميّة. ولأنها جمهوريّة قائمة على تهشيم الحدود ودك القوانين وإطاحة الأعراف، فإن أشكالاً فريدة من الحدود يجري ترسيمها، وأنواعاً جديدة من القوانين يجري سنّها، وأنماطاً غريبة من الثواب والعقاب يجري تدشينها.

فقد دشّن بعضهم أخيراً «هاشتاغ» رآه الكبار قلّة أدب، وانقسم الصغار بين اعتباره حرية شخصيّة أو حقاً شرعيّاً أو مجالاً يجب الرد عليه من جنس عمله. كان ذلك الـ«هاشتاغ» هو (# تنازل ـ جماعي ـ عن ـ الجنسيّة ـ المصريّة). وأثار جدال نجح في جذب أعداد كبيرة من المُغرّدين على «تويتر».

وفي المقابل، صنع بعضهم «هاشتاغ» مُضادا له في المعنى ومساويا له في القوة، ومثيرا مثله للقيل والقال.

على مواقع جماعة «الإخوان المسلمين» وصفحات مؤيديها وتدوينات داعميها ولسان حال كوادرها في الشرق والغرب وبلاد الهند والسند، قيل أن ذلك الـ»هاشتاغ» الداعي والداعم والدافع للتنازل عن الجنسيّة، ما هو إلا تعبير شبابي طبيعي عن الغضب مما يحدث في مصر في ظل نظام «الانقلابي» عبد الفتاح السيسي. وهرع أصحاب التوجّهات الإسلاميّة السياسيّة وأنصار «جماعة الإخوان» وداعمي دولة الخلافة المُجهَضَة إلى «قص ونقل ولصق» التغريدات والتدوينات التي تحتوي إسم «السيسي» وتتناوله سلباً أو شتماً أو تشكيكاً. ويتمثّل الهدف من ذلك في تعضيد وجهة النظر الإخوانية عن النظام الحالي، وهدم ما يمكن هدمه من بصيص أمل، وبناء ما يمكن بناؤه من جذور، ربما تعيد القابعين خلف القضبان إلى سُدّة الحكم، وتطيح من في سدّة الحكم إلى ما وراء القضبان.

&

عمّا ينقلب إلى ضدّه

«هيّه خربانة خربانة، وبلد ضايعة بسبب السيسي. طب هنقعد فيها ليه»؟ «أصلاً بقينا أسوأ من سورية والعراق. هنفضل ليه يعني في البلد بعد ما خرّبها السيسي وأزاح مرسي: الوحيد القادر على إصلاح الحال المائل». «السيسي سيرحب بالـ«هاشتاغ» لأن الدعوة ستخفّف عنه الحِمْل بعد أن يهجر البلد كل الشرفاء».

لكن «كل الشرفاء» لدى هؤلاء يختلفون عن «كل الشرفاء» لدى أولئك، إذ سارع أولئك الذين لا يعتبرون «الإخوان» فصيلاً وطنيّاً بل فصيلة خائنة، إلى الرد على ذلك الـ»هاشتاغ» الذي وصفته مواقع «الجماعة» بأنه الأكثر انتشاراً على «تويتر» والأعلى اجتياحاً لتدوينات «فايسبوك» والأعتى تعبيراً عن المشاعر الغاضبة لجموع الشعب الهادرة. وصنع أولئك «هاشتاغ» آخر مناهضاً لما اعتبروه الأكثر تعبيراً عن انعدام الوطنيّة والأعلى رمزية لخيانة الجماعات الدينيّة والأعتى تعبيراً عن كون «الجماعة» تسير عكس جموع الشعب الهادرة المتمسكة بجنسيّتها المصريّة، سواء أكان ذلك ناجماً عن وطنيّة خالصة أم عن ضيق في ذات اليد يمنع اقتناء جنسيات أخرى.

وبذا، تسلّح رافضو التنازل بـ«هاشتاغ» (# الجنسيّة ـ المصريّة ـ شرف). وسرعان ما تلقفته وسائل الإعلام والمواقع الإخباريّة بأنواعها، إضافة إلى رافضي «هاشتاغ» التنازل.

لا يمثّل شيوع «هاشتاغ» بعينه وتربعه على عرش الأكثر شيوعاً وشهرة وتداولاً، علامة إيجابية بالضرورة أو مصدر فخر للمعنيين به، إذ اندلعت حرب عنبكوتيّة، ثم انقلبت تلفزيونيّة وإلى حد ما شخصيّة، بين الراغبين في التنازل الجماعي عن الجنسيّة المصريّة من جهة وبين المفتخرين والمتشرفين بها. وبقي المواطن غير العنبكوتي غير ملم بما يجري من استقطابات الـ«هاشتاغ» والحروب الافتراضيّة بين تيارات سياسيّة وجماعات دينيّة.

كذلك أدّت الثنائيّة بين «هاشتاغ» التنازل ونقيضه، إلى تأجيج الواقع الفعلي خارج الشبكة العنكبوتيّة، إذ تلقّف الإعلام التقليدي تلك الحرب المستعرة، واندفع المستخدمون العاديّون إلى معارك فعليّة على الأرض. وظهر تضخّم الانتماء لـ«الجماعة» على حساب الانضواء تحت راية الوطن. وبين الفريقين، ظهرت أصوات خافتة، يغلب عليها الانحياز للحرية الشخصيّة، لتقول أن من أراد التنازل عن الجنسيّة فليفعل، ومن اختار الفخر بها فليتفاخر.

&

من الثورة إلى الانقسام

سواء كانت الجنسيّة المصريّة فخراً أو غير فخر، ظهر الـ«هاشتاغ» بوصفه سلاحاً مسيساً. وحين تتسابق وسائل الإعلام الغربيّة ذات «الصدقية» وصاحبة الريادة الملعوماتيّة والفعّالة في تشكيل جانب كبير من الرأي العام العالمي، إلى تتبع أبرز ما يصدر من الـ»هاشتاغ» هنا وهناك باعتبارها انعكاساً لتوجّهات الشعوب، فإن ذلك يعني أن الـ«هاشتاغ» سلاح له حدّين وأكثر.

يبدو كأنما هنالك شعب عنكبوتي يقبع أمام الشاشات ناقلاً بأنامله العالم من حوله من واقع إلى افتراض. وقبل سنوات، ساهم في إشعال الثورة «هاشتاغ» «حرية وعيش وعدالة اجتماعية». وبعدها، دخل الـ«هاشتاغ» مرحلة استقطاب لجذب هؤلاء ودرء أولئك، ثم ما لبث أن أيقن كل فريق حاجته الماسة إلى صناعة وتعديل وتغيير رأي عام عالمي، باستخدام وسائل الإعلام في العوالم الافتراضيّة.

وتبقى نتائج حروب الإعلام الافتراضي عصيّة على التوصيف وغير قابلة للتقويم، لأنها في حال تغيّر مستمر. وكذلك يصعب حتى قياس استخداماتها إعلاميّاً، نظراً الى انخراط الإعلام في مسألة الترويج لهذا الـ«هاشتاغ» أو ذلك. يضاف إلى ذلك، تكاثر الألاعيب العنكبوتية القادرة على إظهار «هاشتاغ» معين كأنه يتصدّر قوائم الرواج، ما يضمن له أن يصبح قيد الاستعراض المستمر في فقرات الصحافة اليوميّة وبرامج الحوارات الليليّة وتقارير الفواصل الخبريّة وحديث المقاهي والمحافل الاجتماعيّة.

إنها الجمهوريّة الافتراضيّة التي يخوض سكانها حروباً «إفترائيّة» عبر اختيار مجاميع الـ«هاشتاغ» لترسخ نتائج محدّدة بصورة انتقائيّة، كلّ وفق زاويته ورؤيته وغايته.
&