علاء الدين أبو زينة

يحمل الرقم "67" للفلسطينيين هذا العام، تداعياً مضاعف السوء. إنه عدد السنوات المريرة التي عاشها هذا الشعب مع تداعيات النكبة، منذ أُخذ منه وطنه ومنح للغرباء؛ وهو رقم العام المشؤوم "67" الذي ضاع فيه ما كان قد تبقى من الوطن بعد التهجير الأول في العام 1948. وكما يعني هذا الرقم في أعمار البشر الشيخوخة وتضاؤل الأحلام، فإنه يشير في الخبرة الفلسطينية إلى تقادم الزمن، ويجلب إحساساً بالضمور والكسل من طول العناء وقلة المردود المتحقق والمتوقع.

أحوال القضية الفلسطينية هذه الأيام لا تسرُّ. هناك الانقسام وفقدان البوصلة.

وهناك تعمق الانفصال غير المسبوق بين القيادة والشعب. وهناك العنف المستمر الذي يحصد أرواح الفلسطينيين وحرياتهم بلا توقف؛ في الداخل المحتل، وفي بؤر الصراعات في الخارج. وهناك انصراف بقايا الانتباه العربي والدولي عن مأساة الفلسطينيين، بعد أن ضاعت صرخاتهم في ضجيج معارك الإقليم المحتدمة. وهناك فشل نهج القيادة في تحصيل وطن أو سلام للفلسطينيين بالمفاوضات العقيمة. وهناك التعمق اليومي والمستمر للاحتلال في فلسطين، وتطبيع وجوده في أرض ليست له. وهناك، فوق كل شيء، نوع من اليأس وفقدان الحيلة اللذين يحاصران الفلسطينيين في الداخل المحتل، وفي المنفى العريض.

الانعطافة الأبرز، منذ تحوَّلَ الفلسطينيون من واقع الهروب والهزائم إلى الثورة والمواجهة مع العدو، هي التغيير الاستراتيجي الذي تخلى عن المقاومة المسلحة، وراهن على الضمير العالمي ووجود أثر للإنسانية في العدو، لإهداء الفلسطينيين شيئاً من السلام. جاءت اتفاقيات أوسلو قبل 22 عاماً، ونصت على "إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية "السلطة الوطنية الفلسطينية"، ومجلس تشريعي منتخب &للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338 بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية". لم يتحقق شيء من ذلك في السنوات السبع الأولى كما كان مفترضاً، حتى مع التنازلات المذهلة عن الأساسيات الفلسطينية. ومع ذلك، لم تتوصل القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت، إلى قناعة بأن "أوسلو" بهذه الكيفيات كانت خديعة، ولا تعترف الآن بأنها ألحقت في هذه السنوات ضرراً بالغاً بقضية الفلسطينيين، ولم تتعامل بواقعية وصدق بحيث تخرج من المسار المليء بالفخاخ والخسائر.

بذلك، أضافت تجربة "أوسلو" إلى سلسلة النكبات، وما تزال تسهم فقط في إطالة عمر معاناة الفلسطينيين، وفي المزيد من بهتان القضية الفلسطينية. ويشهد الفلسطينيون ذكرى النكبة يوم غد، مع استمرار قيادتهم في تجاهل آرائهم وتطلعاتهم الوطنية، بالإضافة إلى العالم الخارجي، وبما يضيف مزيداً من المرارة إلى هذه الذكرى المشؤومة. وما يزال الفلسطينيون يترقبون لحظة انفجار التوتر المتعاظم بينهم وبين القيادة المفلسة، وحدوث الانعطافة الضرورية الأخرى للخروج من الركود، واستعادة الأمل الذي أطفأته سنوات من استهداف روح المقاومة فيهم، وتضييع ما أنجزوه بالدم والدموع.

الخطاب الفلسطيني وقع في معضلة المفاهيم: المقاومة، والعنف، والإرهاب.

وللأسف، أصبح هذا الخطاب نفسه يقرن المقاومة بالإرهاب، بوصفهما مترادفين. وفي إضاءة لذلك، كتب الكاتب والأكاديمي جميس دورسي: "في حين أنه لا شيء يبرر قتل المدنيين، فإن الاعتراف بالفلسطينيين كشعب له حقوق وطنية، وإنشاء السلطة الفلسطينية، ما كانا ليأتيا على الأرجح من دون الهجمات الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات". ومع الاتفاق مع مقدمة دورسي عن استهداف المدنيين، فيجب الاتفاق معه أيضاً في النتيجة.

لم يسمع العالم أنين الفلسطينيين، وإنما انتبه إلى مقاومتهم وصوتهم العالي في تلك الحقبة. ومن ناحية أخرى، لم يتعامل الاحتلال يوماً مع الفلسطينيين كعزل ومدنيين، وإنما اعتبرهم دائماً أهدافاً مشروعة. فعل ذلك عندما شردهم من وطنهم بالمجازر، وكرس ذلك في عقيدته العسكرية القائمة على مبادئ: "أطلق النار لتقتل"؛ و"ليس هناك مدنيون" في غزة. وفي صراع وجودي هذه سمته، لا عدالة في حرمان الفلسطينيين من حقهم المشروع في تنويع أشكال مقاومتهم ضد من يستهدفهم بكل وسيلة -وليكن ذلك ضد العسكريين والمسلحين من العدو، ومعظم المستوطنين في فلسطين مسلحون وعدوانيون.

هناك حاجة أكثر من ملحّة إلى مراجعة صادقة للنهج الفلسطيني الحالي، وتنويع البدائل، وإعادة تعريف المصلحة الوطنية الفلسطينية. أما المماطلة، فتطيل أمد النكبة.