بيروت - الرأي: على طريقة «كلّ يوم بيومو» تعيش بيروت استحقاقاتها المتداخِلة والتي بات كلٌّ منها بمثابة صاعق ينذر بانفجار أمني او سياسي في ظل انكشاف للنظام الذي يعاني شغوراً رئاسياً دخل عامه الثاني قبل 3 ايام.
ولا يزال عنوانان رئيسان يفخّخان الواقع اللبناني ويرتّب كل منهما تداعيات في أكثر من اتجاه وهما:
*الاستحقاق الرئاسي العالق عند عنوان ظاهر هو تمسُّك زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون بترشيحه له او لا انتخابات ويسانده في موقفه «حزب الله»، فيما تبدو كل حركة داخلية لمحاولة كسْر هذا المأزق أشبه بـ «تقطيع وقت» بانتظار التفاهمات او أقله التقاطعات الاقليمية.
وبهذا المعنى بدت المحاولة التي قام بها النواب المسيحيون الممثلون لـ «14 آذار» وللمستقلين ولكتلة النائب وليد جنبلاط، لتحريك الجمود في الملف الرئاسي على قاعدة الضغط نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية بنصاب النصف زائد واحد، وليس الثلثيْن، بمثابة ورقة محروقة سلفاً، ناهيك عن ان مجمل المبادرة التي أُعلن عنها بعد الاجتماع مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، جاءت مربكة نتيجة تبايُن في الحسابات بين بعض تيارات وأحزاب هذا التحالف ولا سيما لجهة الحوار الدائر بين «القوات اللبنانية» وعون، وايضاً بفعل عدم رغبة الراعي في التحول طرفاً ورعاية انقسام مسيحي بحال تم تحميل عون بالاسم مسؤولية تعطيل الاستحقاق.
واذا كانت مصادر عون عبّرت عن ارتياحها لاجتماع بكركي، معتبرة ان الكنيسة أعطت زعيم «التيار الحر» الحق في ما خص المطالبة بالرئيس القوي ولم تغطّ مسألة التخلي عن نصاب الثلثيْن، فإن الرئيس بري بدوره، استبق اي زيارة سيقوم بها الوفد الذي انبثق من هذا الاجتماع اليه لبحث مبادرته، معلناً امس، ان «البلد مرّ بكثير من الأزمات واعتمدنا دائما نصاب الثلثيْن»، سائلاً: «من الذي يريد ان يلاقي مشاريع التقسيم الحاصلة في المنطقة بطرح سياسي كالنصف زائد واحد؟»، في اشارة ضمنية الى ان نصاب الثلثيْن هو لتفادي تفرُّد اي طائفة من ضمن المناصفة المسيحية - الاسلامية بالاستحقاق الرئاسي.
من جهته، واكب عون ما صدر عن لقاء بكركي معلناً تمسّكه بموقفه من الاستحقاق الرئاسي «فلا مجال لتكرار خطأ الدوحة، ومعركتا اليوم من دون سقف. سأقاوم، ولن أقبل بتكرار الاضطهاد، فإما أن أربح وإما أن أخسر، ولن أترك المعركة إلا شهيدا... أنا في حالة دفاع عن النفس وعن الحقوق»، معتبراً ان «الردود على المبادرة التي أطلقتُها تدل على غباء جماعي أو سوء نية، لأنها تعمدت إثارة موضوع تعديل الدستور، في حين ليس هناك أي طرح لتعديل دستوري في مبادرتي».
*ملف الحكومة التي تقف اليوم امام استحقاق مفصلي مزدوج. الاول يتصل بترجيح بحث قضية جرود عرسال والثاني الاحتمال الكبير بالتطرق الى التعيينات الامنية.
وفي ملف عرسال، سيكون صعباً للغاية للمرة الثالثة القفز فوق إصرار فريق «8 آذار» ولا سيما وزراء «حزب الله» وعون على إثارة قضية جرود هذه البلدة السنّية في محيط شيعي، التي يريد الحزب من الجيش اللبناني ان ينخرط بمعركة لضرب المسلحين السوريين الذين يتحصّنون فيها والذين فروا اليها من معارك القلمون تحت طائلة ان يتولى المهمة بنفسه اذا تلكّأت الحكومة عن منح الجيش الغطاء السياسي الكامل لذلك.
وترجّح اوساط سياسية في بيروت أن يسأل بعض وزراء «8 آذار» عن الاجراءات التي تنوي الحكومة تكليف الجيش اتخاذها بما يجعل الدولة ممسكة بزمام الامر في البلدة، علماً ان بعض الدوائر المراقبة تعتبر ان «حزب الله» ينتظر سماع الجواب في الحكومة قبل ان يقرر «الخطوة الميدانية» في جرود عرسال التي تشي بمضاعفات سياسية ومذهبية كبيرة.
اما في ملف التعيينات الامنية، فيُتوقّع ان يعمد وزير الداخلية نهاد المشنوق الى طرح اقتراحه المتعلق بملء الفراغ في قوى الأمن الداخلي، مديراً عاماً ومجلس قيادة وقائداً للدرك، على قاعدة ان يعمد في حال لم يؤخذ بما قدّمه الى إبلاغ الحكومة بقراره المتعلق بتأجيل تسريح المدير العام الحالي (يحال على التقاعد في 5 يونيو) اللواء إبراهيم بصبوص من ضمن الصلاحيات المعطاة له في الدستور.
وتقاطعت المعطيات في بيروت عند ان اي خطوة - ردّ من عون على التمديد لبصبوص، والتي تعني ايضاً التمديد للعماد جان قهوجي في سبتمبر المقبل، ستبقى محكومة بسقف الاعتكاف وليس الاستقالة، وإن كان الخيار الاول ايضاً يعني إدخال الحكومة الرئاسية في نفق الشلل ولكن الذي لا يُسقِط آخر حلقة في شبكة الامان المؤسساتية التي تقي النظام والواقع اللبناني من الانهيار الكامل.
التعليقات