غازي العريضي

&من أسباب استقالة وزير الدفاع الأميركي الأسبق «روبرت جيتس»، عدم وجود استراتيجية أميركية واضحة في مواجهة الإرهاب، كما قال أكثر من مرة، مناشداً إدارته بإعادة النظر بما تقوم به وهي لم تفعل. اليوم يكثر الحديث عن الاستراتيجية الأميركية في العراق وسوريا في مواجهة «داعش» بعد فشل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ سنة ونيّف، في منع تمدّد التنظيم، الذي بات يسيطر على نصف مساحة سوريا، وأجزاء كبيرة من العراق، وأسقط الحدود بين الدولتين وأقام دولته في أكثر من منطقة فيهما بشكل منظّم وقوي. في الأسابيع الأخيرة، وبعد سقوط الرمادي، اندلع الصراع السياسي الإعلامي مجدداً بين القوى العراقية المختلفة! «الحشد الشعبي»، القوة الإيرانية الحقيقية، اتهم الإدارة الأميركية بالتواطؤ والتخلي عن دورها وواجباتها مما سمح لـ«داعش» بالسيطرة على المدينة!

&


الحكومة اتهمت أميركا بطريقة معينة، وأميركا اتهمت بدورها الحكومة العراقية، بالتقصير في عدم إشراك قوى أساسية سُنية في المعارك، والتأخر في تسليحها، واتهمت الجيش العراقي بالهرب، والحشد الشعبي بافتعال المشاكل واستفزاز الآخرين والإصرار على العمل منفرداً. حتى أن الأميركيين طلبوا تنسيقاً مع الحشد، أو بين «الحشد» والقوى الأخرى فرفض «الحشديون»! مسرحية دموية خطيرة قاتلة مدمرة تجري على أرض العراق. والواقع، إن اللاستراتيجية كما يحلو للبعض أن يسمي السياسة الأميركية في العراق هي بحد ذاتها الاستراتيجية.

الأميركيون يديرون العملية من فوق من الجو بالطائرات، الكل بحاجة إليهم. إيران لا تستطيع تجاوز خطوط معينة في وجههم رغم تدخلها المباشر. وغير قادرة على الحسم الكامل بدونهم. والحكومة ضعيفة والاتهامات على قدم وساق بين المالكي ومن ورائه، والعبادي وما يقوم به. والدمار والخراب في كل مكان. والثابت في كل التصورات السياسية التقسيم! وهذا نتاج السياسة الأميركية بعد احتلال العراق عام 2003 وتدمير كل شيء وإسقاط الجيش وتفكيكه! وأميركا تتحكم بالسلاح، والتحالف، وضرباته المدروسة وفق مصالحها سواء لناحية التفاوض مع إيران حول مشروعها النووي ودورها في المنطقة، أو لناحية التعاطي مع دول الخليج في متابعة ملفات كثيرة من اليمن إلى إيران وسوريا، ومستقبل هذه الدول.

أميركا تضرب حيث تشاء ومتى تشاء وكيفما تشاء ولا تخسر شيئاً. وتبرمج خطواتها وفق سياساتها وحساباتها. والآخرون يتقاتلون على الأرض فما المشكلة في ذلك؟ إنها ترسم ساحات المعارك وحدودها وحدود المشاركين فيها. ومن سخرية القدر أن يخرج الحاكم الأميركي السابق للعراق بعد الاحتلال بول بريمر منذ أيام ليقول في مقابلة مع قناة CNN: «هناك حالياً 14 غارة جوية تجري في العراق يومياً. ثلاثة أرباعها تعود من دون قصف أهدافها»! ويضيف بريمر: «علينا القيام بثلاثة أمور: أولاً توسيع الحملة الجوية بصورة أكبر بكثير مما هي عليه في الوقت الحالي. ثانياً الحاجة لعناصر على الأرض لتوجيه الضربات الجوية. وثالثاً البدء بإرسال السلاح للقبائل السُنية وللأكراد»! وهذا تأكيد على أن الهدف هو تسليح السُنة والأكراد من قبل الأميركيين، وغض النظر عن تسليح الشيعة من قبل الإيرانيين، والدولة غير موجودة، والجيش غير موجود، الجيش الذي دمّره «بريمر»، وغير القادر على شراء السلاح حتى من إيران بسبب العقوبات، ومن غيرها بسبب الضائقة المالية. العراق الدولة الثانية الأغنى في المنطقة تستجدي مالاً من هنا وهناك بعد نهب ثرواتها وتدميرها بالتساوي بين استراتيجية صدام واستراتيجية أميركا! واليوم يستكمل الدور بالشراكة الإيرانية التي قد تغض أميركا النظر عنها، ولو بعمل إيراني مباشر على الأرض في مواجهة «داعش»! والنتيجة واحدة: دمار وخراب تحت عنوان مواجهة الإرهاب، وتفكّك وتقسيم!

&