أسرار اعتقال الأردن لـ «فيلسوف» السلفية الجهادية الدكتور القنيبي: رسالة للتيار بلافتة «ممنوع العبور» لمزاولة العمل السياسي و«التفاهمات» لا تشمل المشاركة في حفلة «النقد السياسي»


بسام البدارين

&&لا يمكن اعتبار اعتقال السلطات الأردنية للدكتور إياد القنيبي أحد المنظرين البارزين في التيار السلفي الجهادي محليا خطوة تهدف إلى مراجعة الحسابات وإظهار القدرة على المواجهة مع الأدوات والرموز الفكرية السلفية بقدر ما هي رسالة تتجدد على أساس تحذير الجهاديين السلفيين من تجريب الانتقال إلى مستوى «العمل السياسي».
الدكتورالقنيبي أستاذ في كلية الصيدلة في إحدى أهم الجامعات الأردنية وفي عدة مرات إشير له باعتباره من خصوم مساحات التشدد والتطرف في تنظيم «داعش» في الساحة الأردنية ويعتبر مع الشيخين أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الثلاثي السلفي الأكثر نقدا لتصرفات «داعش» في العراق وسورية.


بهذا المعنى مصلحة الأردن الرسمي تتطلب بقاء مثل هذا الرجل وهو مفكر وداعية تنظيري فقط غير مسؤول عن العمل الميداني خارج السجن وخارج حسابات الاعتقال والتوقيف، خصوصا ان السلطات الرسمية الأردنية نجحت فيما يبدو بترتيب صفقة ضمنية مع قيادات السلف الجهادية المحلية على قواعد اشتباك محورها ان التيارات السلفية الجهادية المؤيدة لـ»جبهة النصرة» في سوريا ليست هدفا في الأردن وعلى قاعدة ان الالتزام بقواعد اللعبة في الساحة الأردنية يبقي العلاقة مع السلفية الجهادية «غير متوترة».
تحت عباءة «تفاهمات أمنية وسياسية» مع رموز في التيارات السلفية الجهادية خرج الشيخ المقدسي من السجن وظهر على شاشة فضائية محلية مشهورة في جملة نقدية متصدرة لأداء تنظيم دولة الخلافة الإسلامية.
وتحت العباءة نفسها انتقد عدة مرات الشيخ أبو قتادة تنظيمات «داعش» ووصف علنا رموزها بأنهم «كلاب النار» لكن المقدسي وأبو قتادة تواريا عن الأنظار طوال الأسابيع العشرة الماضية فدخل الأول في ترتيبات عائلية بعد سجن طويل امتد لعشرين عاما وسعى الثاني للالتزام باشتراطات ومتطلبات تسليمه ومحاكمته في الأردن بالاتفاق مع بريطانيا.


بمعنى آخر مستوى التأزم والتوتر بين السلطات الأردنية وقادة وأعضاء التيار السلفي الجهادي بقي «ضمن المعدل السنوي» الذي تتطلبه الخصومة المفترضة ثنائيا مع تنظيم داعش، خصوصا ان تأييد غالبية أعضاء التيار السلفي الجهادي الأردني لـ»جبهة النصرة» التي لا يتصارع حرس الحدود الأردني معها دفعت العلاقة مع السلطة بالتوازي لبعض الاسترخاء.
من هنا استغرب كثيرون اعتقال الدكتورالقنيبي، خصوصا ان مجالات ومساحات الرجل فكرية ووعظية فقط ولا زال مخالفا لقواعد عمل تنظيمات «داعش». واقعة الاعتقال في الأساس لا تهدد الترتيبات والتفاهمات الضمنية مع جمهور الشارع السلفي الجهادي في الأردن.


لكنها تنطوي على رسالة مباشرة محورها أن أي شخصية سلفية جهادية تحاول التغريد خارج السرب سيتم التصدي لها، الأمر الذي حصل على الأرجح مع «فيلسوف» السلفية الجهادية كما يصفه متابعوه الدكتور القنيبي. القنيبي اعتقل بعدما طلب منه مراجعة دائرة أمنية ووجهت له تهمة العمل على «تقويض نظام الحكم» بعد نشاطات إلكترونية تخص صفحته على «فيسبوك».
الأهم في رأي وتقدير بعض المحللين هو الرسالة التي توجهها السلطات لكل نشطاء التيار السلفي عبر واقعة اعتقال ثم السعي لمحاكمة القنيبي والتي يتم التحذير فيها من «مزاولة» الرموز السلفية الجهادية للعمل السياسي، وتلك مسألة يبدو ان كثيرين لا ينتبهون لها.
القنيبي اعتقل بعد مقال منشور على «فيسبوك» تحدث فيه عن «سفينة الأردن التي تغرق» ووجه الرجل انتقادات حادة للأداء المؤسساتي من النوع الذي يعبر ويمر بالعادة عند معارضين آخرين مثل ليث الشبيلات وبعض قادة العمل النقابي وأحزاب المعارضة.


مقالة القنيبي من حيث المضمون ترد هنا وهناك وبالسقف نفسه ولا تلتفت لها السلطات، لكن الجديد في المسألة ان ما هو مسموح للآخرين قد لا يكون مسموحا للسلفيين الجهاديين، فالاعقتال يضع لافتة «ممنوع المرور» في وجه تيارات السلفية الجهادية إذا ما فكرت في التحول إلى مسار العمل السياسي الشعبي الجماهيري على الأقل في هذه المرحلة .
ما تقوله السلطة ضمنيا هنا للقنيبي ولرفاقه في التيارات الجهادية «يكفينا حراك الساحة ولا نبحث عن ناقدين سياسيين جدد من الصف السلفي الجهادي في وقت نواجه فيه معركة داعش».
&