&منذ الساعات الأولى لصباح رمضاني قائظ تجمهر عدد كبير من الحقوقيين والفاعلين الجمعويين يمثلون قطاعات نسائية وحقوقية محلية ووطنية عديدة منها ربيع الكرامة وصوت النساء المغربيات وفيدرالية الرابطة الديمقراطية لنساء المغرب والجمعية المغربية لحقوق الانسان وغيره، وذلك أمام باب المحكمة الابتدائية انزكان أغادير لمتابعة محاكمة ما بات يعرف بـ«فتاتي التنورة» المتهمتين بالإخلال بالحياء العام على إثر ارتدائهما لباسا اعتبره رواد وتجار أحد الأسواق في المدينة مثيرا ومستفزا، وهوما ما أسفر عن تجمهر كبير أدان بشدة الفتاتين اللتين احتمتا بأحد المحلات التجارية قبل أن تحضر الشرطة التي حررت لهما في التو محضرا يدينهما بتهمة الإخلال بالحياء العام والتحريض على الفساد قبل أن يتم اعتقالهما 24 ساعة احتياطيا.


ابتدأت المحاكمة التي آزر فيها المتهمتين أزيد من 200 محام بمرافعات متتالية للسادة المحامين بكار السباعي وخديجة الروكاني والنقيب عبدالرحيم الجامعي واخرين طالبوا جميعا بإسقاط التهم الموجهة للفتاتين، كما طعنوا في المحضر الذي أنجزته الشرطة مؤكدين أنه مليء بالأخطاء شكلا ومضمونا، فيما أن وكيل الملك في القضية لم يقم بالمعاينة اللازمة أو التحري في واقعة التلبس التي أثبتت في المحضر الذي ورد فيه أن الفتاتين اعترفتا بأنهما ارتدتا لباسا عاري الصدر والفخذ لأجل خلق الإثارة، وذلك دون ذكر واقعة التحرش والاعتداء التي تعرضتا لها من العدد الكبير من الناس اللذين تجمهروا حولهم. وقد كان مفاجئا للحضور في قاعة المحكمة اعتراف ممثل النيابة العامة بوقوع خطأ خلال تكييف التهمة التي تتابع بها الفتاتان، قائلا بأنه يتبنى كل ملتمسات الدفاع التي تطالب بإسقاط المتابعة، مضيفا بأن المغرب قطع أشواطا كبيرة في تكريس حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وأنه لن يقبل بالتراجع إلى الوراء مهما كان شكل هذا التراجع.
وقد بدا واضحا حجم الاهتمام الشعبي الذي جذبته هذه القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام وأعادت إلى السطح بقوة نقاش الحريات الفردية حيث نظمت مظاهرة حاشدة أمام مبنى المحكمة حضرتها أطياف مدنية وممثلو بعض الأحزاب السياسية وعدد كبير من المواطنين الذين أدانوا ما أسموه بخطر تغلغل الفكر الداعشي الذي يقصي الآخر المختلف، ويوقع المجتمع في خطر التقاطبات والتطرف والإقصاء واللاتسامح، مطالبين من جهة أخرى بضرورة سن قانون إطار يجرم العنف ضد المرأة بكل أشكاله ويوقف مسلسل التراجعات على مستوى الحريات الفردية الذي عرفه المغرب في الفترة الأخيرة، من خلال حالات كثيرة عكستها وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وصارت قضايا رأي عام. وفي هذا الاطار صرحت «للقدس العربي» الفاعلة الحقوقية في مدينة أغادير وعضو الكتابة الوطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات فدوى الرجواني قائلة ان حادث الاعتداء على الشابتين بإنزكان يحيلنا على قضيتين أساسيتين الأولى مرتبطة بطبيعة القانون الجنائي المغربي الفضفاض والذي يحتمل التمطيط، حسب أهواء النيابة العامة، فالفصل الذي تتابع على إثره الشابتين يتحدث عن الإخلال بالحياء العام دون أن يفصل لنا ما هي حدود هذا الإخلال أين يبدأ وأين ينتهي، وما هي معايير تحديده، القضية الثانية تتجلى في المنحى الخطير الذي بدأ يتجه فيه البعض والذي يؤسس لمنطق جديد وغريب عن المجتمع المغربي المتعدد والمتنوع، حيث سادت دوما ثقافة الاختلاف والتسامح وتقبل الآخر، هذا التوجه الانقلابي يسمح فيه بعض الأفراد لأنفسهم بإقرار «حق» مفترض، خارج إطار المؤسسات وخارج القانون وخارج الأعراف حتى، فالمغرب لم يعرف أبدا سلوكات كهذه يتدخل فيها الناس في اختيارات بعضهم البعض، خصوصا منها تلك المتعلقة بطريقة اللباس ولنا في تعدد اللباس المغربي خير دليل» وعلى خلفية توالي حوادث ذات صلة بقضايا الحريات الفردية، وأضافت قائلة: «لتحليل ما حصل يجب ربطه بسياقات متعددة، لعل أبرزها تنامي الخطابات الأصولية والمحرضة على الدولة والمجتمع، وصعود أصوات تحث على الكراهية والتطرف وتفتي أحيانا بالقتل وتكفير شخصيات عمومية آخرها خطابات السلفي المدعو أبو النعيم ، يأتي الاعتداء كذلك في خضم النقاش حول مسودة القانون الجنائي والتي لا تترجم ولو نسبيا روح دستور2011 فيما يتعلق بالحريات الفردية حيث تسمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مما يدعونا للتساؤل هل للحكومة الحالية إرادة حقيقية للانخراط في الورش الحقوقي الذي دشنه المغرب منذ عقود ام أننا سنشهد أسوأ تأويل لأفضل دستور حتى الآن. كما لا يفوتنا التذكير بالتصريحات الخطيرة لرئيس الحكومة والتي تنتقص من قيمة المرأة والتي لا يتوانى عن تكرارها في كل خروج له في موضوع النساء، ونتذكر جميعا كيف رد على الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم أخبره هذا الأخير أن اللجوء للقضاء هو الحل لفض الخلافات الزوجية في حين يفضل رئيس الحكومة الأخذ بالثأر.
من جهة أخرى حضرت الفتاتان إلى قاعة المحكمة بتنورتين في إشارة قرأها الحاضرون على انها رسالة منهما لهيئة المحكمة بأن شكل لباسهما لم يكن جريمة تستوجب العقاب أو المتابعة، وقد صرحت الفتاتان «للقدس العربي» في الليلة السابقة للمحاكمة بأنهما لم تتوقعا أبدا أن تأخذ قضيتهما هذا المنحى ولا تعتقدان أنها فعلا شيء مخل بالحياء عبر لباس عادي ومنتشر في كل الشوارع المغربية، وعن رفضهما البات لمواجهة وسائل الاعلام بوجه مكشوف رغم الابعاد الكبيرة التي اتخذتها القضية قالتا بأنهما من أسرة محافظة لا تعلم شيئا وبأنهما تؤمنان بأنهما تنتميان لمجتمع قد لا يرحمهما لاحقا بسبب قضية ظلمتهما كثيرا وصادرت أدنى حقوقهما في السير بكل حرية في الشارع كما في السوق.
من جهة أخرى حضر الوقفة الاحتجاجية أمام باب المحكمة عدد من تجار السوق الذي شهد واقعة الفتاتين رافعين لافتة كبيرة كتب عليها شعار «تجار وحرفيو سوق الثلاثاء ينادون بالمحافظة على الحياء العام ويتبرأون من أي صلة بواقعة فتاتي إنزكان» حيث شرح أحد التجار «للقدس العربي» بأنهم بريئون من أي اعتداء قد تتعرض له نساء في السوق الذي يستقبل يوميا الآلاف من الوافدين مغاربة وأجانب في مدينة تعد السياحة فيها رافدا اقتصاديا هاما ورافضين ما أسموه بالركوب السياسي على قضية تجندت لمساندتها أطياف حزبية وحقوقية عديدة.