محمد خروب

&

&

&في ذروة الصراع الاقليمي (والدولي بالطبع) على النفوذ والادوار، سجلت ايران نقطة ثمينة لصالحها بعد التوصل الى اتفاق نووي نهائي مع مجموعة الستة، ولم يتبق سوى بعض الخطوات الاجرائية، التي ستُسّهل انطلاقة قطار «التسوية» حيث سيكون هناك من يدّعي انه حقق نصراً, فيما آخر سيُبعد الكأس المُرّة عن فمه ليقول انه لم يكن بالامكان تحقيق افضل مما كان، اما العرب فسيتواصل عجزهم ولن ينقذهم التلعثم الدائم الذي استبد بهم منذ عقود، ولا داعي لذكر اسرائيل التي تواصل «هجومها» اللاذع على الاتفاق وخصوصاً على ادارة اوباما، فيما وجد نتنياهو لنفسه مخرجاً خبيثاً ولئيماً يستبطن هزيمة نكراء لحقت باسلوب «ازعر الحي» الذي استخدمه طوال ماراثون المفاوضات التي انتهت باتفاق تاريخي سيؤثر طويلاً وكثيراً في معادلات وتحالفات المنطقة، اذ قال (نتنياهو): «أنا تعهدت ليس بعدم حدوث اتفاق بل بعدم حصول ايران على القنبلة».
ما علينا..
تركيا، احد اكبر الخاسرين من الاتفاق، وان كان بمقدورها اخفاء غضبها نظراً للدبلوماسية الناجحة التي ادارتها تجاه منافستها وغريمتها الاقليمية (والتاريخية ايضاً) اثناء فترة العقوبات على ايران, وايضاً في عدم ايصال الخلافات بين انقرة وطهران الى مرحلة القطيعة وبخاصة ازاء الاوضاع في سوريا والعراق وسياسة الكيد السياسي التي انتهجها اردوغان تجاه دمشق خصوصاً, فضلاً عن دعمه الصريح والمعلن لعملية عاصفة الحزم التي تقودها الرياض، حيث تعلن الاخيرة ان احد اهدافها هو ضرب النفوذ الايراني في اليمن والمنطقة بشكل عام..
الرئيس التركي، يواجه «عاصفة» من الاستحقاقات وكمّا من الملفات المعقدة، ما يستدعي منه المزيد من الحذر في مقاربتها وايجاد الحلول لها، وبخاصة اذا ما دققنا في اكلافها وتداعياتها التي تصب في النهاية لصالح خصوم اردوغان في الداخل وفي الخارج على حد سواء، بعد الهزيمة المدوية التي لحقت به في السابع من حزيران الماضي، عندما سحب الناخبون الاتراك تفويض «الأغلبية» التي منحوها له ولحزبه, منذ ان ظهر حزب العدالة والتنمية على مسرح السياسة والاحزاب التركي بقيادة الثنائي اردوغان - غُلّ.
هل قلنا غُلّ؟
نعم يجدر البدء بالخلاف الآخذ في التصاعد بينهما وعلى شكل علني، بعد ان شن اردوغان هجوماً لاذعاً على شريكه في تأسيس الحزب أو إن شئت هرب الثنائي هذا من سفينة معلمهما ومرشدهما الروحي نجم الدين اربكان.
اردوغان اتهم غلّ وفي حفل افطار كبير بأنه «خائن وجبان يُؤْثِر مصالحه الشخصية على المصلحة العامة» وكل خطأ الرئيس السابق انه دعا الحكومة (في كلمة سبقت كلمة اردوغان) الى اعادة النظر في السياسة الخارجية لتركيا وبخاصة تجاه مصر وسوريا, وان تعود تركيا الى ان تكون دولة اعتدال تجمع ولا تفرّق.
هذه اذاً معركة اخرى فتحها اردوغان في شكل متسرع وربما لم يحسب لتداعياتها حساباً, قد تصيب مستقبله السياسي, رغم كل المناورات التي قام ويقوم بها منذ الانتخابات البرلمانية الاخيرة وخصوصاً في اعلانه انه لن يسمح بقيام دولة كردية في الشمال السوري مهما كان الثمن, الامر الذي اثار حفيظة كرد تركيا أنفسهم الذين رأوا ان الرجل في طريقه للتنكر الى مبادئ «عملية الحل» التي كان بدأها مع عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني التركي PKK وتحديداً بعد نجاح حزب الشعوب الديمقراطي في تجاوز نسبة الحسم (10%) والحصول على 81 مقعداً في البرلمان المكون من 550 نائباً, ما حرم حزب اردوغان من أغلبية النصف زائداً واحداً لتشكيل حكومة منفردة, ما يفرض عليه العمل على قيام حكومة ائتلافية استبعد منها «نهائياً» حزب الشعوب الديمقراطي, الكردي الهويّة في الاساس, رغم أنه عمل على ان يكون حزباً تركياً يستقطب شرائح اليسار وعموم الغاضبين من اردوغان وفرديته المتصاعدة.
مقاتلو «اتحاد الجماعات الكردية» اعلنوا انتهاء «الهدنة» التي تم الاتفاق عليها في العام 2013 وقالوا في بيان مُوقّع من قِبَلِهم: انهم سيستهدفون «السدود» التي شرعت تركيا في اقامتها في مناطقهم, لأنها اصلاً سدود ذات اغراض عسكرية, يُراد من ورائها هدم قرى كردية وارتكاب مذبحة «ثقافية»!
ماذا عن الملف الرابع؟
اردوغان كلّف داود اوغلو تشكيل حكومة جديدة واحتمالات نجاحه تبدو منخفضة نظراً لتباين ارائهما, فأوغلو يُحبّذ التحالف مع حزب الشعب الجمهوري, فيما اردوغان راغب «بشدة» في اقامة ائتلاف مع الحركة القومية التي ترفض عملية «السلام» ولا تعترف بأي حقوق كردية, الأمر الذي قد يعود على اردوغان وحزبه بالفائدة, اذا ما جرت انتخابات مبكرة خلال ستة اشهر الى سنة معتقداً أنه سيأخذ من رصيد حزب الشعوب الديمقراطي كذلك من رصيد الحركة القومية «المتطرفة».
ايام اردوغان الصعبة قادمة والهزائم التي لحقت بمشروعه العثماني الجديد مرشحة للتكاثر ليس فقط في ان «حلب» لم تسقط في يد دواعشه وارهابييه, وانما ايضاً لأن النجم التركي في الظروف الاقليمية المستجدة, سيجد طريقه الى الافول بهذه الكيفية أو تلك.
&