سميح صعب

تأخر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في ادراك مخاطر النفخ في النار السورية التي يضطرم اوارها منذ أربعة اعوام وبضعة أشهر. ربما اعتقد في لحظة من اللحظات ان الجهاديين الذين ادخلهم الى سوريا من أربع رياح الارض سيقدمون له خدمة جليلة تتمثل في اسقاط عدوه الرئيس بشار الاسد ويقفلون عائدين الى البلاد التي أتوا منها. ولكن ها هي النار السورية تلامس ذيل الثوب التركي من مدينة سوروج الى الاحداث التي تلت التفجير كلها تنذر بأن شهر العسل بين اردغان و"داعش" قد انتهى أو كاد.

ولا تقتصر حراجة الموقف على تركيا وحدها، بل ثمة من يتحسس رأسه في الاردن ودول الخليج العربية. وماذا يعني عندما تعتقل أجهزة الامن السعودية المئات من عناصر "داعش" غير ان هذا التنظيم يشكل خطراً على السعودية لا يقل عن الخطر الذي يشكله على العراق وسوريا والاردن ولبنان وتركيا؟.

وأظهرت التفجيرات في مساجد السعودية وفي الكويت وتركيا ان "داعش" لم يعد تنظيما يمكن استخدامه وظيفياً في قلب نظام معين ومن ثم يعمل على ترويضه لاحقاً والتخلص منه بسهولة. فدول المنطقة كلها اليوم تواجه خطر الزوال مع اجندة "ادارة التوحش" التي يتبناها "داعش" دونما مراعاة لأحد. واذا كان التنظيم قد أقام هدنة مع تركيا في الماضي، فإنه في المقابل كان يحصل على المدد البشري المتمثل بالمقاتلين الاجانب الذين يلتحقون به في سوريا والعراق عبر البوابة التركية المفتوحة. وعندما اراد اردوغان تلبية طلبات الغرب باقفال الحدود، بعث "داعش" برسالة دموية الى تركيا عبر تفجير سوروج.

لكن ما تواجهه تركيا اليوم هو مأزق صنعته هي لنفسها عندما تبنت الخيار العسكري لاسقاط النظام السوري بأي ثمن، فإذا بالاعداء يتوالدون على الضفة الجنوبية للحدود. وليس "داعش" وحده هو من تخشاه انقرة، فهي تخشى ان ينتصر اكراد سوريا وان يغريهم النصر باعلان كيان سياسي تمتد عدواه الى داخل تركيا، تماماً كما تخشى الان ان تستيقظ الخلايا الداعشية النائمة للانتقام من اقفال الحدود.

وما ينطبق على تركيا ينطبق أيضاً على الاردن اذ اعتقد لوهلة انه في منأى عن الخطر الجهادي شمال حدوده اذا ما استتب الامر لـ"جبهة النصرة" في درعا والقنيطرة والسويداء، ذلك ان "إمارات" الجهاديين لن تقام فوق الاراضي السورية أو الاراضي العراقية وحدها، بل ان هذه "الامارات" اذا ما انتهت من سوريا والعراق لن توفر الاردن أو تركيا أو دول الخليج، لينطبق القول: هذه بضاعتكم ردت اليكم.