محمد كعوش

اليوم الخميس ، هو يوم عطلة رسمية في مصر ، وهو يوم الاحتفال الكبير ، في خضم بحر الاحزان العربي وطوفان الوجع العام. اليوم تبحر سفينة مصر«المحروسة» ، وعلى ظهرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكبار ضيوفة ، عابرة قناة السويس الجديدة في احتفال مهيب ، وبشكل يعيدنا الى حفل افتتاح قناة السويس في العام 1869 عندما عبرت «المحروسة» القناة وعلى ظهرها الخديوي اسماعيل وضيوفه الذين جاءوا من كل انحاء العالم للمشاركة بتدشين اقصر واسرع معبر مائي بين اوروبا وآسيا بطول 192 كلم.

صحيح ان الاحتفال اليوم يعيد احياء الذاكرة ليصل الماضي بالحاضر &لتشابه الاحتفال والمناسبة ، ولكن هناك فارق كبير في الهدف والغاية والوسيلة. افتتاح قناة السويس في زمن الخديوي كان مشروعا فرنسيا بدأت فكرته تتبلور منذ غزو نابليون لمصر في بداية القرن التاسع عشر وكان الهدف التحكم بالتجارة الدولية عبر السيطرة على الممر المائي (قناة السويس ) خصوصا عندما وصل الصراع الفرنسي البريطاني ذروته.

والمشروع الاول ادارته فرنسا عبر شركة قناة السويس ، وهو مشروع فرديناند ديلسبس الذي حطم المصريون تمثاله بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر. المشروع تم بالاتفاق بين الخديوي سعيد ومعلمه ديلسبس ، ولكن الذين حفروا القناة هم المصريون من الفلاحين وعمال السخرة ، وبلغ عددهم المليون توفي منهم حوالي 120 الفا بسبب الجوع والعطش والمرض والظلم. وقد تم تنفيذ المشروع ، بعد وفاة محمد علي باشا ، وعلى عكس رغبته ، وهو الذي اشترط ان تنفيذ حفر قناة السويس باموال مصرية ، مع ضمانات دولية بحيادية القناة ، وهو ما رفضته فرنسا في ذلك الوقت.

والثابت ان في احتفال افتتاح قناة السويس تجاهل ديلسبس في خطابه فضل المصريين ومشاركتهم وتضحياتهم خلال انجاز المشروع الاهم في ذلك الزمن. حتى انه تجاهل ذكراسم المهندس المصري حسين القلعي الذي شارك المهندسين الفرنسيين في تصميم وتنفيذ القناة ، واكتفى الخديوي بمنحه لقب «البكوية « مع هدية هي عبارة عن عربة بحصانين واربعة اسهم في شركة القناة ، حسب ما ذكرته جريدة الاهرام المصرية.

واليوم نستطيع القول بأن مشروع قناة السويس الجديد تم انجازه باموال مصرية وبارادة وسيادة مصرية ، حيث طرحت الحكومة بيع سندات المشروع لجمع 60 مليار جنيه خلال شهر ، ولكن المصريين فاجأوا حكومتهم بحيث تم شراء سندات بقيمة 64 مليار جنيه خلال 8 ايام فقط ، لقناعة الجميع ان القناة الجديدة مشروع استراتيجي تنموي هو ضرورة لمصر في الحاضر والمستقبل ، بحيث سيضاعف حصيلة دخل القناة ، وان اختلفت التوقعات حول الارقام المستقبلية.

الحقيقة ان مصر تحتاج اليوم الى مشاريع تنموية استراتيجية اكثر من اي وقت مضى ، لأن الحكومة المصرية ، بل الدولة ، تواجه تحديات ومشكلات كبرى ، اولها انتشار الارهاب ومواجهة عمليات العنف والتخريب ، التي هي بالاساس ليست من طبع وعادات وقناعات الشعب المصري. لذلك نقول ان مصر كي تسترد دورها ومكانتها « الدولة القائد » يجب ان تنتصر على الارهاب والفقر والمرض وكل الآفات الداخلية والدخيلة بالتنمية وزيادة فرص العمل والخيارات الاقتصادية الاجتماعية والعدالة ، وليس بالخيارات الامنية وحدها. وقد يكون مشروع تنمية السويس بداية الطريق لمشروع تنموي جديد في سيناء يقطع الطريق امام تنامي المشروع الارهابي ، ولكي تظل مصر المحروسة آمنة ، حسب ما ورد في سورة يوسف « ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين ».&