&
عزت ابراهيم

&

&

&

&

موجة الجنون التى تجتاح الشرق الأوسط لا يلوح فى الأفق إمكانية لوقفها فى السنوات القليلة القادمة وهى تأخذ فى طريقها مستقبل دول وشعوب وترهن مصير الأجيال القادمة بسيناريوهات سوداوية، ولو فكر لوردات الحرب فى المنطقة لوجدوا أنهم لن يتركوا للأجيال الجديدة سوى صب اللعنات على مشعلى الحروب العبثية. ما أتعس أن نقرأ لباحث مهموم بمستقبل التنمية فى العالم قوله «سوف يولد خلال السنوات الخمس عشرة القادمة حوالى مليارى طفل و 90% منهم فى المناطق الافقر من عالمنا. إن منح هولاء الاطفال انطلاقة افضل سوف يكون أحد اعظم الانجازات التى يمكن ان تحققها الانسانية كما ان عمل ذلك سوف يشكل افضل استخدام للموارد التى يخصصها العالم للتنمية». بعد شهر سوف تستضيف الأمم المتحدة قادة العالم فى نيويورك من أجل الموافقة على أهداف التنمية المستدامة بعد تقليص أهداف الألفية بشكل أكثر واقعية فى 17 هدفاً للقضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان الرخاء للجميع، ويقول الباحث بوجيرن لومبورج من «منظمة اجماع كوبنهاجن» البحثية الدانماركية أنه طلب من 82 اقتصاديا بارزا اجراء تحليل للهدف الـ18 الذى سيكون له أفضل تأثير على الناس والكوكب والرفاهية العالمية خلال السنوات الخمس عشرة القادمة وتبين ان افضل الطرق من اجل المساعدة هو التركيز على تحسين حياة الاطفال صحيا وتطوير برامج التغذية وتحسين نوعية التعليم ومن الأرقام الموجعة التى وردت فى مقال للباحث «أن كل دولار يتم صرفه على تغذية افضل للصغار ينتج 45 دولاراً من المنافع الاجتماعي».


قبل هوجة الاهتمام الاعلامى بتوقيع وثيقة الألفية الجديدة التى تتضمن أهدافا منها، حسب تقرير الأمم المتحدة الأخير «التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يُهمَّش فيها أحد، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات» ، نحتاج إلى وقفة جادة لمواجهة ما يجرى فى الشرق الأوسط من حروب عقائدية وحروب بالوكالة وندرك أن المنطقة العربية تتدحرج إلى هوة سحيقة تجرها إلى عالم الدول الأكثر فقراً وبؤساً لو استمر نزيف القدرات سنوات قليلة. أخر ما يمكن تصوره أن نكتفى بالإحتفال بوضع أهداف جديدة للتنمية العالمية فيما تدور رحى آلة القتل فى سوريا والعراق وليبيا واليمن بلا هوادة ، ومن غير المعقول أن نكتفى بالتصفيق فى الأمم المتحدة دون أن نصرخ فى وجه القتلة والمتطرفين ونطالب من ممولى الصراعات الداخلية أن يكفوا عن أفعالهم المشينة وأن يوجهوا جل مواردهم إلى بناء الإنسان وصناعة مستقبل الأطفال فى بلادنا، حتى لو كانت صرختنا أو مطالبنا «رمزية» لا تحرك ساكنا فى عواصم بعينها لا تهتم سوى بأحلام قيادة الإقليم. المشهد الأكثر اشمئزازا أن ممولى الحروب سيعتلون المنصات فى نيويورك يتحدثون عن اسهاماتهم فى تخفيف المعاناة عن البشرية المعذبة، فيما تروس القتل تدور دورتها فى مناطق متفرقة من العالم.

&

المفارقة أن العالم يموج اليوم بأكبر موجة نزوح للاجئين والمهجرين قصرا من ديارهم، ليس بسبب الفيضانات أو المجاعات أوموجات الجفاف التى ظهرت من أجلها وثيقة الألفية قبل 15 عاماً ولكن من وراء الحروب العبثية التى يقع جلها اليوم فى منطقة الشرق الأوسط التى دمرت مستقبل الملايين من البشر دون مبرر واضح والأكثر عجبا أنها حروب تدعى تحرير الإنسان من ظلم أخيه الإنسان وفى واقع الحال هى عملية إبادة يمارسها مسلحون يريدون السلطة ضد مواطنيهم بلا رحمة. كتب الباحث الدانماركى قائلا «من الصحيح أخلاقيا أن يمنح كل طفل أفضل فرصة للبقاء والأكل جيدا، وان يكون بصحة جيدة ويتلقى التعليم والأن ندرك أن ذلك يعتبر من افضل الاستثمارات التى يمكن أن نقوم بها، إن الاطفال الاصحاء والمتعلمين جيدا يكبرون ليصبحوا بالغين منتجين قادرين على توفير مستقبل افضل لأطفالهم مما يخلق دورة حميدة يمكن ان تساعد فى بناء عالم افضل واكثر ازدهارا». الصراعات الدائرة فى الشرق الأوسط ستخلق للأسف أطفالا غير أسوياء فى كثير من البلدان وكثيرون سيتجهون للتطرف على يد جماعات لا ترحم، ولن يوفر هذا الوضع دورة حميدة تسهم فى بناء عالم أفضل وما لم تبادر المجتمعات برفض الواقع المؤلم لن يكون هناك ازدهار ولن يكون لنا مكان وسط الشعوب المتحضرة فى الفرص القليلة المتبقية. إن مستقبل العالم لا يحتمل صراعات اليوم ولا يكفى حفل فى نيويورك ليغسل أيادى البعض من عار قتل الإنسانية!

&