عبدالحق عزوزي
يميز حراس العلوم السياسية خاصة الأنغلوسكسونيون منهم بين السياسي (polity) ، أي السلطة السياسية، وحكومة الناخبين داخل المجال السياسي العام، و(politics) أي السياسة، وهي الحياة السياسية، أو حلبة الصراح التي يتبارز داخلها الفاعلون السياسيون ليس بالأيدي والشعارات الرنانة والسب والقذف والشعبوية الزائفة، ولكن بالبرامج السياسية أو policy أي سياسة، وهي الفعل السياسي، وخطة الطريق الدالة على وجود السلطة السياسية التي تخلق مجموعة من القرارات والعمليات المحسوسة ذات الصبغة العامة أو الإقطاعية. فالتجارب السياسية في المجتمعات الغربية والديمقراطيات العتيدة متعددة ومتباينة كما أن أنواع الأنظمة السياسية ونمط الاقتراع السياسي تكون مختلفة أيما اختلاف، لكن روح السياسة تبقى كما هي لا تتغير ولا تتبدل، كما أن قرار الشعب وصناديق الاقتراع تبقى الحكم الفصل في تثبيت أو تغيير المنتخبين.
وفي النهاية تكون الحدود بين التقسيمات الثلاثة التي أتى بها منظرو العلوم السياسية مؤسسة ومحترمة وتمكن المجال السياسي العام من الإتيان بثماره والمساهمة في الرقي بكل نواحي الحياة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً.. إلخ. وعندما تكون حدود هاته التقسيمات الثلاثة محترمة وتشتغل كل واحدة منها في الإطار المخصص لها، فإن عمليات التغليط وإفساد العمليات السياسية والارتماء في أحضان الشعبوية الزائفة، وتزوير التمثيليات الاجتماعية وتشويه الديمقراطية.. لن يكون لها وجود. كما أنه إذا كان المجال السياسي مقفلا في وجه قوى المجتمع المختلفة، فسيبقى بدون ديمقراطيين في الحكم.
لاحظوا معي الحمى الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية والخرجات الجريئة التي تقوم بها المرشحة الأكثر حظاً للوصول إلى البيت الأبيض هيلاري كلينتون، وهي تمارس السياسة في حلبة صراع معقدة وتحاول إيصال رسائل مقنعة إلى الشعب الأميركي في إطار سلطة سياسية ذات ديمومة تاريخية ومؤسساتية تراقبها الحكومة الواسعة للناخبين.
&
&
تلبس هيلاري اليوم لباس المحارب السياسي والخطيب المتحمس لإزالة كل ما من شأنه أن يبرزها كامرأة غير قادرة على ممارسة السياسة في كل تجلياتها الثلاثة، وهو ما يمكن أن نتلمسه خلال انعقاد احتفالية الحزب الديمقراطي الأخيرة بولاية أيوا. تحدثت هيلاري عن التجسس على رسائلها في الفترة التي شغلت فيها حقيبة الخارجية وأثناء الهجمات الإرهابية في بنغازي عام 2012، وقالت إن ذلك لم يكن سوى صيد في الماء العكر يمارسه من ليس له أي باع في مجال تسيير شؤون الدولة من طرف خصومها في الحزب الجمهوري. وحسب رأيها: «الأمر لا علاقة له ببنغازي، وأنتم تدركون هذا، الأمر لا يتعلق كذلك بالرسائل الإلكترونية أو بمزود خدمة الإنترنت. الأمر سياسي بحت». قبل أن تضيف للمتبارزين معها داخل «البوليتيكس»، أي حلبة الصراع السياسية، «لن أغوص في الطين معهم. لن أعبث بالأمن القومي أو أخون ذكرى من فقدناهم بخوضي للعبة السياسة. لن أسمي الأشياء بغير أسمائها، نفس اللعبة السياسية التي رأيناها مراراً من قبل. لا أبالي بلجان الدعم الانتخابي المستقلة (سوبر باكس) أو بسعي الجمهوريين لزيادة الطين بلة، فقد قضيت عمري أناضل من أجل الفقراء والمهمشين، ولن أتوقف الآن». ووصفت هيلاري كل الحزب الجمهوري بـ«البعيد عن الواقع» و«منتهي الصلاحية»، وقالت إن قائمة مقترحاته السياسية «قد تصلح لمدرسة ابتدائية، لكنها بالتأكيد لا تصلح في أميركا القرن الحادي والعشرين». وتضيف هيلاري: «أعرف أن أغلب التركيز الآن منصب على أهم المرشحين الرئاسيين»، في إشارة إلى دونالد ترامب، «لكن لا تجعل السيرك يشتت انتباهك، فإذا نظرت إلى سياساتهم فسترى أن غالبية المرشحين الآخرين ليسوا أكثر من ترامب، لكن من دون ذلك الضجيج أو الشعر فوق رؤوسهم».
ما يهم هيلاري اليوم هو حكومة الناخبين الأميركيين، وما يهم هؤلاء هو ما يميزها عن غيرها وكيف ستصرف بأموال دافعي الضرائب عندما تدخل إلى البيت الأبيض. السياسة والسياسي والفعل السياسي؛ ثلاثية متداخلة ومتباينة لا تنفصل في أدبيات المجالات السياسية الغربية، وإلا فالدولة ستعيش مخاضات سياسية لن تنتهي بدون آثار مدمرة. انتهى عهد الثورات عندهم، وإذا أرادت الشعوب القيام بذلك فلها كامل الحرية، لكنها تقوم به في صناديق الاقتراع. وأوج الثورة عند كل ناخب يشتعل عندما يأخذ قلم رصاص في مركز الاقتراع ليضع علامة x أمام المرشح الذي يختاره، هذه هي الثورة الحقيقية.
&
التعليقات