عبدالعزيز العويشق

البيان المشترك أوضح أسس "الشراكة الاستراتيجية الجديدة للقرن الحادي والعشرين" لتشمل تعاونا ثنائيا قويا في جميع المجالات، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة

&


شهدت العاصمة الأميركية يوم الجمعة اجتماعا تاريخيا ضم خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الأميركي باراك أوباما، أُعلن فيه عن "شراكة استراتيجية جديدة للقرن الحادي والعشرين" بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.


يُذكّر هذا اللقاءُ بالاجتماع التاريخي بين المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في السويس عام 1945، حين أسسا لشراكة بين البلدين استمرت سبعين عاما، ليأتي اجتماع واشنطن ليجدد تلك العلاقة ويحدد معالم جديدة لها بما تمليه الظروف الحالية في المنطقة والعالم.
اجتماع 1945 جاء بعد 12 عاما من العلاقات الاقتصادية التي توثقت خلال الحرب العالمية الثانية، حين وقفت المملكة إلى جانب أميركا ضد ألمانيا النازية. جاء روزفلت ليشكر عبدالعزيز على وقفته التاريخية، ويرسيا معا أسس علاقة توثقت خلال العقود اللاحقة، قائمة على العمل المشترك لمصلحة الأمن والسلام الدوليين، ودعم استقرار أسواق النفط والاقتصاد العالمي.
كان اتفاقا بين زعيمين تاريخيين، الملك عبدالعزيز موحد الجزيرة، والرئيس روزفلت، أهم رئيس أميركي في القرن العشرين. ومع أن الولايات المتحدة لم تفِ دائما بالتزاماتها، وارتكبت أخطاء مميتة أحيانا، وتسرعت في قراراتها أحيانا أخرى، إلا أن الجانبين ظلا على قناعة بمحورية هذه العلاقة، وحرصا على استمرارها ونمائها.


اجتماع واشنطن هذا الأسبوع تاريخي، لأنه سعى إلى وضع أسس أقوى وأصلب لتلك الشراكة، بعد فترة من الشك والتردد، وجاء كما أشار البيان المشترك الذي صدر في واشنطن مساء الجمعة "4 سبتمبر" اعترافا بالدور القيادي للمملكة في العالمين العربي والإسلامي. ويُظهر قرار الملك سلمان بأن تكون أول زيارته لأميركا أول زيارة رسمية يقوم بها بعد توليه مقاليد الحكم في يناير 2015، حرص القيادة السعودية كذلك على تعزيز هذه الشراكة.


يوضح البيان المشترك أسس "الشراكة الاستراتجية الجديدة للقرن الحادي والعشرين" لتشمل تعاونا ثنائيا قويا في جميع المجالات، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، والعمل المشترك لحل الأزمات المستعرة في دول الجوار. هذه هي الأسس الأربعة للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، أتت مكملة لاتفاق كامب ديفيد في 14 مايو 2015، حين أعلن الرئيس الأميركي ميلاد شراكة استراتيجية جديدة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي.


في الجانب العسكري، أشار البيان إلى الحاجة لتسريع وتيرة تسليم الأسلحة وقطع الغيار التي تطلبها المملكة، وزيادة التعاون في مجال الأمن البحري، والأمن الإلكتروني، والدفاع ضد الصواريخ البالستية. وهذه النقاط تشكل هاجسا لدى الجانبين، خصوصا بعد تعرض المملكة لهجمات صاروخية من اليمن، وهجمات إلكترونية من جهات ترتبط بالنظام الإيراني. وتشكل الصواريخ البالستية خطرا محدقا من إيران التي طوّرت ترسانتها الصاروخية، وسيتصاعد هذا التطوير بعد رفع العقوبات.


وفي المجال الأمني، أشار البيان إلى أهمية مواجهة الإرهاب والتطرف، وأعلن عن التزام الجانبين بالتعاون الأمني، لدحر تنظيمي القاعدة وداعش، ووقف تدفق الأموال والمقاتلين لهما، والتصدي للدعايات الإرهابية التي تنشر الكراهية. وأعلن البيان عزم الجانبين على وضع خطة طويلة المدى، على مدى سنوات عدة، لمواجهة التنظيمين، بالتعاون والتنسيق مع شركائهما الدوليين.


وفي اليمن، أكدا على الحاجة الملحة إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، خصوصا القرار 2216، وصولا إلى حل سياسي يقوم على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني. وتحدث البيان مطولا عن الحاجة إلى تسريع وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني.


فيما يتعلق بفلسطين، ثمة اتفاق على أهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002، وضرورة الوصول إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية يقوم على حل الدولتين.


في سورية، أشارا إلى أهمية تحقيق حل دائم للنزاع يقوم على مبادئ جنيف1، لإنهاء معاناة الشعب السوري، والحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ووحدة سورية وسلامة أراضيها، ولضمان تأسيس دولة مسالمة، ديموقراطية وتعددية، تنبذ التمييز والطائفية. وأكد الملك سلمان والرئيس أوباما على أن أي حل انتقالي يجب أن يقوم على مغادرة بشار الأسد الفاقد الشرعية.


وفي الوقت الذي أعلن الجانبان دعمها لجهود رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لدحر تنظيم داعش، حثاه على التنفيذ الكامل للإصلاحات التي اتفق عليها في صيف 2014 وأقرها البرلمان العراقي مؤخرا، لأن تنفيذها سيعزز الأمن والاستقرار في العراق ويحفظ له وحدته الوطنية وسلامة أراضيه، ويوحد الجبهة الداخلية لمواجهة الإرهاب.


أكد الجانبان استمرار تأييدهما للبنان وسيادته وأمنه واستقراره، وللقوات المسلحة اللبنانية للحافظ على أمن لبنان وسلامة حدوده ومواجهة التهديدات الإرهابية. وأكدا الأهمية القصوى لقيام البرلمان اللبناني على وجه السرعة باختيار رئيس للجمهورية وفقا للدستور.


وأشار البيان في ختامه إلى سبل تعزيز "الشراكة الاستراتيجية الجديدة للقرن الحادي والعشرين"، وإلى الشرح الذي قدمه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن تصوره بشأن هذه الشراكة، ووجه الملك سلمان والرئيس أوباما المسؤولين في بلديهما بالعمل خلال الأشهر القادمة لاستكشاف أفضل الطرق لتعزيز تلك الشراكة.


ولهذا ستشهد الأشهر القادمة نشاطا كبيرا بين العاصمتين لترجمة هذه الالتزامات إلى برامج عملية تتواءم مع الحاجات الملحة للمنطقة، وتنطلق من دور المملكة المحوري فيها.
&