محمود مراد
&
نحن فى أشد الحاجة إلى ثورة تبدأ داخل عقولنا وقلوبنا توازى فى قوتها وتزيد عن الثورة التى قام بها شعب مصر العظيم ضد حكم الطاغوت الذى كاد يدفعنا إلى مملكة الإرهاب التى يقودها خوارج العصر!

وينبغى أن تستهدف هذه الثورة تنقية عقولنا وقلوبنا من ترسبات وآثار أربعين سنة ماضية.. لا أقول إنها كلها كانت ظلاما.. لكن ما برز فيها من سيئات ترك آثارا لاصقة تتطلب ثورة حقيقية أشبه ما تكون بالثورة الثقافية ـ الوجه الآخر للسياسة ـ للقضاء على السلبيات وبقاياها.. وتعظيم الإيجابيات وإلقاء الضوء عليها. وهذه مهمة غاية فى الصعوبة لكنها ليست مستحيلة، ويبرز فى قيادتها «الدور المعرفى» على أساس أن «المعرفة» هنا تضم الثقافة بدورها.. والإعلام بتفرعاته. لكن المشكلة مع تقديرنا لأي جهود مبذولة ـ أنه لم تعد توجد ـ بفعل التراكمات ـ معايير للقياس والتقييم.. ولا حتى للتقويم . وأصبح الاهتمام الأكبر ـ وانظروا ما يجرى حولنا فى الأحزاب والمؤسسات الثقافية والإعلامية ـ يتركز فى المناصب العليا ومن يتولاها..؟ ولا أريد ان أتدخل فى التفاصيل وإنما فقط أشير إلى أن أربعة أحزاب .. على الأقل تشهد هذا النوع من الصراع.. حتى كتابة هذه السطور.. وأن صحيفتين على وشك إعلان إفلاسهما.. وأن ثلاث فضائيات تليفزيونية تشكو من خسارة مادية فادحة. وتفكر كل منها إما فى الانسحاب من الساحة أو العرض للبيع!.. ناهيك عن المشكلات فى وزارة الثقافة وتبادل الاتهامات بين قياداتها وناهيك أيضا عن الإعلام الذى صار بلا «وزير مسئول».. وبالتالى ناهيك عن المناخ المحتقن بينما المفترض أن يرتفع الجميع إلى مستوى الأحداث وما تتطلبه البلاد.. والعمل معا فى مواجهة الإرهاب وأذناب الطاغوت حتى نقضى عليه نهائيا.. ونتفرغ كلية لبناء مصر ودعم دورها العربى ومسئولياتها الإفريقية.. ومكانتها عالميا.

من هنا.. فنحن فى حاجة إلى ثورة تبدأ بصياغة رؤية واضحة لما نريد.. وبناء استراتيجية تحدد إطار العمل الوطنى ومتطلباته وأسسه.

وكذلك من الذى يتولى ويدير.. وبصراحة شديدة إذا كانت 25 يناير و30 يونيو قد أفرزتا وجوها وطنية فهذا شىء عظيم.. لكن هذا «الوطنى» لا يصلح بالضرورة لأن يكون «كاتبا» أو «وزيرا» أو «مسئولا عن فضائية أو صحيفة» أو عن غير ذلك.. فإن المهم فى نتائج الثورة أن يوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.

وإذا كنا قد بدأنا اجراءات الانتخابات النيابية فإنه لا عذر للأحزاب إذا قالت أنها لم تستعد!! ولا عذر للفضائيات إذا قالت إنها كانت مشغولة بالخناقات والمشاجرات فى برامج «الكلام» ولم تنتبه إلى توعية الشعب وتعرية الذين يحاولون وسيحاولون التسلل إلى مجلس النواب متسترين بأقنعة مزيفة مؤقتة ثم يخلعونها بعد الفوزً!

إنه يجب أن نعى.. وندرك.. أننا فى حرب شرسة.. وأن نتفق على معايير محددة يمكن لكل مواطن أن يستخدمها للكشف عن هوية المرشح.. وذلك ـ مثلا ـ من خلال مجموعة أسئلة يجيب عنها كل مرشح ـ وكل من سيتصدى للعمل العام ـ لقياس معياره الوطنى والفكرى والتعرف على حقيقته.

وأعود للقول إن الاجتهادات الشخصية مهمة.. والاصلاح التدريجى مهم.. لكن الأهم هو أننا فى حاجة إلى ثورة لأننا لا نمتلك ترف الوقت ويتحتم أن نقفز لا أن نخطو.. وإلى معدلات سرعة فى التقدم غير مسبوقة.. لكن من الذى يبدأ الثورة؟ ومن يصوغ رؤيتها الأولى إذا كانت وزارة الثقافة مشغولة بمشكلاتها.. وكانت وزارة الإعلام غائبة؟ وهل يمكن أن تبادر بها نقابة الصحفيين بدعوة شيوخها وشبابها وجيل الوسط لحوار يضع أسسا للرؤية المنشودة والاستراتيجية المفتقدة.