سمير عطا الله

في تقريرها الثاني عن البلدان السعيدة، الأول 2012، حلّت سويسرا أولى: غنية، هادئة، جميلة، معتدلة الطقس. وقد استطاعت تجنب كوارث حربين عالميتين. شوارعها آمنة وقطاراتها مثل ساعاتها، الثانية في أهمية السنة! من يقع في المرتبة الثانية؟ آسفون. ليس اليمن رغم كافة مواصفات السعادة: علي عبد الله رئيسًا أو معزولاً.


يلي سويسرا في التقرير الدولي آيسلندا، فالدنمارك، ولا مفر من كندا في سلم السعادة. لكن السعادة الكثيرة تولد الملل، وهو شعار كندا بعد العلم، كما يقول صحافي كندي. لذلك، يأتي الناس من تورنتو إلى لندن. أو إلى نيويورك. أما المدن السعيدة من غير ملل، كما تقول «الفايننشيال تايمز» فاللائحة شبه معروفة: أدنبرة، لندن، باريس، نيويورك، برلين، سيدني، هونغ كونغ، برشلونة، البندقية.


جاءت البندقية في المرتبة الأخيرة لأنها مزدحمة، والتنقل في شوارعها المائية صعب وغلاؤها فاحش. الصحافي الدنماركي اسكل سلانديموز يقول إن القاعدة الأولى في المدن هي القاعدة الأولى في البشر: التواضع؛ «يجب ألا تعتقد أنك شيء مهم وقادر على تعليمنا أي شيء. أي ثرثرة في مديح نفسك ارمها في السلة التي إلى جانبك».


خلال 30 عامًا من حكم آل بورجيا والحروب والدماء، أعطت إيطاليا ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وعصر النهضة. «وخلال 500 عام من الهدوء والسكينة، ماذا أعطت إيطاليا؟ ساعة الديك الوقواق».
ما من مدينة عربية على اللائحة. ولا أدري لماذا غابت دبي. وفي عز طلوعها وإبداعاتها المدينية، اقترح أحدنا على الشيخ محمد بن راشد نقل فصل من مسرح لندن أو نيويورك بأشهر أعماله، لكي تكتمل نشاطاتها الثقافية التي تميزت بها. وبعض أهم المغنين العالميين وبعض أهم الأوركسترات العالمية لم أحضرها في لندن أو في نيويورك، بل في دبي، وعند الشيخ نهيان بن مبارك في أبوظبي.


يقال إن ثلاثة أشياء صنعت نيويورك: «التايمز» والمسرح وسوق الأسهم. تقام المهرجانات السينمائية والفنية كل عام لإعطاء المدن صفة ثقافية: مهرجان كان وبرلين والبندقية وأدنبرة. وأراد الرئيس كميل شمعون إعطاء بيروت جانبًا ثقافيًا دوليًا، فأنشأ «مهرجانات بعلبك» التي استضافت ألمع أسماء الكوكب في الغناء والموسيقى. تنوء بكلكل، كما شكا امرؤ القيس.


وامدينتاه. ما من مدينة عربية على لائحة السعادة. وأين القاهرة؟ وأين الإسكندرية؟ وأين «جارة الوادي» ينشدها أمير الشعراء ويغنيها أمير المغنين؟ وماذا فعلتم بهذه الأمة؟