سعود الريس
كان الحديث الأبرز أن الولايات المتحدة الأميركية تخلت عن حلفائها في المنطقة، أما السؤال الأبرز الذي كان يطرح على الدوام، لماذا تحرج واشنطن حلفاءها بتقارب مريب مع دولة تعاديهم بسياساتها الطائفية والإرهابية، وتنتهك حقوق الإنسان، وأيديها ملطخة بدماء السوريين والعراقيين واللبنانيين، وتنتهج سياسات عدائية تجاه أميركا ذاتها وأوروبا ومن قبلهم دول المنطقة؟
ذلكم كان محور الحديث، أما أطرافه فكانت تتحدث عن مستقبل مظلم إذا ما تم إطلاق اليد الإيرانية بعد الاتفاق النووي.
السعودية كدولة صاحبة دور قيادي وريادي في العالمين العربي والإسلامي تحفظت على الاتفاق، لكنها لم ترفضه إذا ما كان مقروناً بضمانات مشروعة تضمن عدم حصول إيران على السلاح النووي، وعلى رغم الزيارات والتأكيدات التي كانت الإدارة الأميركية تطلقها من وقت لآخر لطمأنة الرياض، إلا أن هذه الأخيرة استمرت بموقفها الصلب ولم يصدر عنها إلا ما يؤكد موقفها ليزداد صلابة، لدرجة دفعت المراقبين والمحللين إلى الحيرة، فما الذي يمكن أن تفعله السعودية أمام الرغبة الأميركية بإتمام الاتفاق، وهل لديها القدرة - أي السعودية - على التصدي للسياسة والطموح الأميركي؟
لنتعمق أكثر علينا أن نمعن النظر، فإدارة الرئيس أوباما، وجدت نفسها في مأزق، فمن جهة واجهتها عاصفة الكونغرس وميله إلى رفض الاتفاق النووي، ومن جهة أخرى شعرت أن حلفاءها أداروا ظهورهم لها، أو يوشكون على ذلك ولو باحتمالات ضعيفة، بعد أن شعروا بأن واشنطن أدارت ظهرها لهم، مأزق الإدارة لا يزال مستمراً، ومعركة استقطاب الأصوات لا تزال على أشدها، فمن المقرر أن يصوّت الكونغرس على الاتفاق حتى 17 من الشهر الجاري، وترجح التوقعات التصويت بـ«لا» ما لم يتمكن أوباما من حشد أصوات اللحظة الأخيرة، وإذا ما بقيت لا هي المسيطرة سيدفع ذلك الرئيس الأميركي لاستخدام الفيتو، ليعاد التصويت في أواخر أيلول (سبتمبر)، وتتم الموافقة على الاتفاق قياساً بعدد الأصوات التي بدأ بحشدها من الآن للتصويت بعد الفيتو، لكن في مقابل ذلك سيضطر الرئيس الأميركي للتوقيع شهرياً أو كل ثلاثة أشهر على مراسيم لرفع العقوبات عن إيران، ما يجعل الاتفاق في مهب الريح، خصوصاً إذا ما أخلّت طهران بأي من شروطه.
نعود إلى السعودية، المشهد اليوم مختلف، إذ تم التعامل بحكمة ودهاء مع هذا الملف وملفات أخرى، فتوقيت زيارة خادم الحرمين إلى الولايات المتحدة يأتي في وقت تحتاج فيه الإدارة الأميركية إلى أي دعم لتمرير اتفاقها على الكونغرس، فكيف عندما يأتي هذا الدعم من السعودية وهي الحليف الأقوى والأكثر تأثيراً في المنطقة والعالم، إلى هنا قد يبدو الأمر منطقياً في معادلة تبادل المصالح، لكن ما حدث هو أن الموازين انقلبت رأساً على عقب من خلال اتفاقات وشراكات لم نفكر فيها خلال عقود مضت من علاقتنا مع أميركا تمت مع مؤسسات وهيئات وقطاعات أميركية كانت تتلهف إلى دخول المنطقة، ومع الاتفاق النووي زادت، لكن فجأة بدأت تعيد حساباتها، فالسعودية الأعلى استهلاكاً والأكبر قوة شرائية شرّعت أسواقها أمام المستثمرين الأجانب في خطوة تعد هي الأذكى والأكثر مهارة لأن من شأنها إيجاد قوة ضاغطة لصالح السعودية في أميركا، ما أحدث صدمة إيجابية في أوساطها.
المواطن السعودي يترقب الكثير، ولديه طموحات عالية جداً في وقت يعيش انتصارات عسكرية وسياسية وحتى اقتصادية كان ينتظرها منذ أمد بعيد، وأمام ما يتم تحقيقه على الأرض فهناك إشارات كثيرة تمنحه الاطمئنان على مستقبل هذه البلاد ومستقبله، فالمشاريع والاتفاقات التي تمت بالأمس لا تقتصر على الجانب الخدمي ولا على الجانب الاقتصادي، بل هي أبعد من ذلك بكثير لمن يمعن النظر.
ختاماً، النجاح كوصف يطلق على زيارة الملك سلمان إلى أميركا كلمة غير كافية، فالزيارة كانت انتصاراً، ونقولها بكل ثقة إنه إذا كان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - قد أذن للشركات الغربية في أوروبا وأميركا باكتشاف الثروة النفطية في السعودية، فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد 77 عاماً يأذن لهم باكتشاف ثروات الأسواق السعودية غير النفطية بكل طاقتها. إذاً السعودية اليوم (نعود ونقولها) تختلف عن سعودية الأمس، فلم يسبق أن ظهرت بمــــثل هذه القوة وهذا التأثيـــر، فهنا دولة فتية لا تنتــــظر الصدف، حكومة شابـــــة لا تفتر، يعجز حتى الإعلام عن مجاراة إنجازاتها، وقيادة حكيمة تجوب الأرض لا لتسمع بل لتتكلم...!
التعليقات