علي الخشيبان
الطريقة التي تم فيها استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والوفد المرافق له بدت غير معتادة، بل إنها كسرت الكثير من التقاليد الأميركية، وبالتأكيد أن شيئا مختلفا يحوم حول هذه الزيارة التاريخية للملك سلمان ساهم في تغيير هذه البروتوكولات لتتناسب مع حجم الضيف القادم الى أميركا.
زيارة الملك سلمان تطرح أسئلة كبرى حول ما يجري بين السعودية وأميركا، ولكن قبل ذلك لابد من معرفة التقدم الملفت الذي حدث في مكانة السعودية الدولية وخاصة خلال الخمس سنوات الماضية، فالصعود السعودي السياسي على المستوى العالمي والمحلي بسبب ما تمر به المنطقة من أزمات وتحولاتها، غيّر الكثير من المفاهيم وجعل بلدا مثل السعودية يعتمد مسيرة سياسية تتوافق مع ظروف المنطقة وتحولاتها.
ما يجري بين السعودية وأميركا يشكل فرصة سانحة لترميم ما يمكن من اجل بناء اتجاهات سياسية اكثر فاعلية في المنطقة وعلاقات اكثر عمقا تقوم على أساس رؤية اكثر ايجابية للمنطقة تساهم في قطع الطرق على نشوء مشكلات تتعلق بصراعات سياسية وطائفية تجر المنطقة والعالم الى مواجهات لايمكن رؤية مداها
أميركا ودول كثيرة غربية وشرقية تنظر الى السعودية اليوم بشكل مختلف، وبرؤية اكثر عمقا للدور السعودي في المنطقة، وخاصة أن كثيرا من دول المنطقة التي كانت تشكل توازنا في المنطقة بجانب السعودية ولكنها أصبحت دولا تعصف بها المشكلات من كل جانب إما بالازمات السياسية او الحروب الاهلية. السعودية ذات الاستقرار السياسي والاقتصاي والاجتماعي تجد نفسها اليوم امام مسؤولياتها كدولة كبرى ينظر اليها الجميع من اجل العمل على إعادة ترتيب المنطقة وتجنيبها الازمات.
المسؤولية السعودية امام العالم العربي تتلخص في قدرتها على قيادة العالم العربي وإخراجه من ازماته، وهذا ما يوفر لها الفرصة الدائمة لكي تتعامل مع دول كبرى في العالم من اجل اخراج العالم العربي من اجل هذا الهدف بصورة سياسية تمنع الانهيارات الكبرى التي قد تفتح مسارا يُستغل من المتربصين للانقضاض على الامة.
النظام الدولي لازال يحتفظ للولايات المتحدة ترؤسها له، ولذلك تقع أميركا في هذا الجانب الذي يوفر لها القدرة على العمل من جانب واحد في كثير من الازمات الدولية، وفي القرارات الدولية وخاصة عندما تكون مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية على المحك.
والسعودية التي تقرأ هذا الجانب بشكل كبير وترى أن أميركا لديها الكثير لتقدمه للعالم العربي، ولكن هذا الكثير يجب ان يتم دفعه وتهيئة ارضيته من خلال دول لها مكانتها في المنطقة، لذلك فإن ما يجري بين السعودية وأميركا يتمحور حول هذا الاطار السياسي الممتد في منطقة الشرق الأوسط.
البعد السياسي فيما يجري بين السعودية وأميركا يتزامن مع بعد تاريخي في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السعودية وأميركا، لذلك فإن ما جرى في هذه الزيارة حمل معه الكثير من المسارات الاقتصادية التي تساهم في توسيع دائرة التعاون الاقتصادي فالسعودية بحكم موقعها كسوق لديها الكثير من الفرص الاستثمارية تستطيع استيعاب حجم اكبر من المسارات الصناعية والاستهلاكية في جميع المجالات.
الملفات الساخنة فيما يجري بين السعودية وأميركا تتمثل في قضايا رئيسة هي: الملف الإيراني وتدخلات ايران في المنطقة، والقضية السورية، والقضية اللبنانية، وأزمة اليمن، والقضية الفلسطينية، هذه المسوؤلية السعودية امام هذه الازمات العربية جعلت من السعودية محورا دوليا لايمكن أن يتوقف عن الدوران في سبيل تحقيق المصالح العربية والمساهمة في منع انهيار العالم العربي امام تدخلات الغرباء وما تسهم به المنظمات الإرهابية من تدمير للأرض العربية.
الموقف السعودي من ايران واضح وجلي في كل تصريحات المسؤولين السعوديين فعلى ايران التوقف عن سلوكها السلبي في المنطقة وتوسعها في التأسيس للمجموعات الثورية وإحداث الفوضى وتأجيج مشاعر الطائفية.
ايران التي حصلت على اتفاق نووي يؤكد الغرب أنه لن يسمح لها في النهاية بامتلاك سلاح نووي تعيد قراءة هذا الاتفاق إعلاميا بأسلوب مختلف، حيث يعتقد الإيرانيون أنهم اصبحوا قادرين على تغيير وفق منطق القوة في المنطقة، وهذا ما لايمكن السماح به، اذا كانت ايران ترغب في ان تكون دولة صديقة فعليها ان تتخلى عن سلوكها السيئ في المنطقة.
الاتفاق النووي الإيراني - الغربي لايوفر لإيران فرصة امتلاك سلاح نووي كما تصرح أميركا بذلك، وإذا ما تم عكس ذلك فلن يتمكن الغرب فعليا من السيطرة على التحولات العسكرية التي من الممكن أن تحدث في المنطقة جراء سباق في التسلح النووي سوف تقوده في الأساس كل دول المنطقة القادرة بما فيها إسرائيل.
القضية السورية هاجس دولي فنحن اليوم امام اكثر من ربع مليون قتيل في سورية وهذا الرقم مرشح للتضاعف في تناسب طردي بين صمت العالم عن هذه الجرائم التي يقوم بها الأسد، وبين حل الازمة السورية.
السياسة السعودية تبدي قلقها الدائم من الموقف الدولي تجاه الازمة السورية، في مقابل الموقف الأميركي الذي يتأرجح في اتخاذ إجراءات ميدانية عطفا على اللغة السياسية الإعلامية التي تصدر عن المسؤولين الأميركيين، كل ما تريده السعودية عطفا على تصريحات مسؤوليها هو حل سياسي لايكون الأسد ضمن محتوياته، وإلا فإن المستقبل في هذه الدولة سيكون خطيرا ليس على العالم العربي وحده وإنما العالم اجمع، وهنا لابد من الإشارة الى أن ايران التي تتدخل في سورية تشكل خطرا لايمكن الصمت تجاهه.
الازمة في اليمن نقطة خلاف التحالف العربي مع ايران التي صنعت مليشيات الحوثي عبر عملية أيديولوجية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، فاليمن الذي حاولت ايران ان تجعل منه نموذجا شبيها بلبنان يواجه الان ثمن تدخل ايران فيه، القرارات الدولية في هذا الجانب وخاصة قرار مجلس الامن (2216) يخول دول التحالف أن تسهم في إعادة الشرعية لليمن وفقا للاتفاقات الخليجية وفق اطار سياسي يضمن لهذا البلد خروجا من هذه الازمة.
أخيرا ما يجري بين السعودية وأميركا يشكل فرصة سانحة لترميم ما يمكن من اجل بناء اتجاهات سياسية اكثر فاعلية في المنطقة وعلاقات اكثر عمقا تقوم على أساس رؤية اكثر ايجابية للمنطقة تساهم في قطع الطرق على نشوء مشكلات تتعلق بصراعات سياسية وطائفية تجر المنطقة والعالم الى مواجهات لايمكن رؤية مداها.
التعليقات