بيروت - الرأي: منذ انطلاقته قبل نحو شهر، لم يسبق للحِراك الاحتجاجي، الذي تشهده بيروت على خلفية أزمة النفايات، أن أثار هذا الكمّ من المخاوف الكبيرة، التي حجبت طابعه المطلبي، وقفزت الى التحذير من مكائد، تُضمِر ما هو أدهى للبنان، في لحظة تَصاعُد وتيرة المواجهة في المنطقة.

وفيما تقاسم المشهد وسط بيروت أمس، «حوار الإنقاذ» السياسي، الذي انعقد في جلسته الثانية وأرجئ الى الثلاثاء المقبل، والصدامات التي تكررت بين القوى الأمنيّة وبين المحتجين، ازدادت إشارات الارتياب من شيء ما يُحضّر للبنان عبر الحِراك المدني، وسط خشية من استغلال الاحتجاجات وتحويلها حصان طروادة، لقلب الطاولة في البلاد ربطاً بما يُرسم في المنطقة.

وكان الأشدّ وضوحاً في هذا السياق، ما كتبه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط على «تويتر» من أن «هذه الفوضى المنظّمة التي يستعملها بعض من وسائل الإعلام في تحطيم الدولة والمؤسسات، ‏قد تكون لحدَث كبير، خارج معرفة البعض على الأقلّ، لحدث أمني يدمّر البلاد، وقد تكون مقدمة لأحداث أكبر لخراب الاقتصاد اللبناني والاستقرار»‏، محذراً: «لذلك، انتبهوا على لعبة الدول من تدمير لبنان تحت شعار النفايات».

وما جعل «جرس الإنذار» الذي قرعه جنبلاط يكتسب أهمية مضاعَفة، انه جاء بعد ساعات من المعلومات المثيرة التي كشفها جهاز الأمن العام اللبناني عن خرْق تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) للحِراك المدني، عبر مندسّين، كُلّفوا بشتم وزير الداخلية نهاد المشنوق، وكتابة عبارات مسيئة على ضريح رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، الكائن في مسجد محمد الأمين قرب «ساحة الشهداء» وسط بيروت.

واعتبرت أوساط مطلعة هذه المعلومات الأمنيّة بمثابة «إيحاء باحتمال انزلاق الاحتجاجات في الشارع الى فوضى، تذهب أبعد مما حصل في المرات السابقة»، مشيرة الى ان «أطرافاً كثيرة تخشى ان يكون ما كُشف عن المندسّين من داعش مؤشراً الى مرحلة جديدة أمنيّة في لبنان، قد تشهد إما تضارُباً في الأجندات الأمنيّة بين أكثر من فريق داخلي وخارجي، وإما تلاقياً على الفوضى، لأهداف سياسية متباينة، إلا ان كلا الاحتمالين يعني ان البلاد قد تفقد المكابح التي حالت حتى الآن دون ضرب ستاتيكو الاستقرار الذي يحكم الواقع اللبناني منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام».

وفي ظلّ هذه المخاوف، تركّزت الأنظار على التحرّك الذي دعت اليه مجموعة «طلعت ريحتكم» عند السادسة من مساء أمس، وسط بيروت، والذي سبقه إطلاق اعتصام مفتوح في ساحة «رياض الصلح» حتى الإفراج عن الموقوفين الـ 42 الذين وقعوا في قبضة قوى الأمن نهاراً، وبينهم نشطاء في الحِراك المدني مثل مروان معلوف، وأحد المضربين عن الطعام امام وزارة البيئة وارف سليمان، ومن ضمنهم عدد من 6 فتيات.

وما عزّز حبْس الأنفاس، أن وقائع الساعات الأولى من اليوم الاحتجاجي شهدت عمليات كرّ وفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنيّة التي منعت هؤلاء من عرقلة وصول أعضاء طاولة الحوار الى «ساحة النجمة» حيث مقر البرلمان او رشق مواكبهم بالبيض كما جرى الاربعاء الماضي. فيما برز قرار أمني واضح بالتصدّي لكل محاولات خرق الإجراءات المشدّدة او قطع الطرق او الاعتداء على قوى الأمن الداخلي، وهو ما تُرجم بإفراط قوة مكافحة الشغب في استخدام العنف والشدة مع المتظاهرين ولا سيما بعدما حاولوا اقتحام الحواجز الأمنيّة ورشقوا بعض العناصر بالبيض والبندورة ومادة حمراء فأصابوا بعضهم بجروح.

وحتى اولى ساعات بعد ظهر أمس، كان عدد الذين أصيبوا بجروح من المتظاهرين 6، نُقل عدد منهم الى المستشفيات، وسط هرْج ومرْج، تكرّر كلما حاولت قوى الأمن فتح طرق كان المتظاهرون يقفلونها.

وفي حين وصف قيّمون على هذا الحِراك ما جرى وسط بيروت بأنه بمثابة «7 أغسطس 2001» ثانٍ (في اشارة الى تعاطي الجهاز الامني اللبناني - السوري آنذاك مع متظاهرين مناهضين لسورية امام قصر عدل بيروت) متحدثين عن «فخّ» نُصب للمعتصمين وعن ان التوقيفات كانت تحصل «بالإصبع والاسم»، افادت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بأن «عناصرها الموجودة وسط بيروت تعمل على توقيف الأشخاص الذين يعتدون عليها بالضرب ويقومون على حض المتظاهرين على استعمال العنف وخرق الحواجز الأمنيّة»، قبل ان تنشر صور عناصرها الجرحى.

ولم تحجب وقائع الصخب في الشارع، الذي انضمّ اليه أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «داعش» و«جبهة النصرة»، الجلسة الثانية من الحوار، الذي دعا اليه رئيس البرلمان نبيه بري، وهي الجلسة التي أكملت النقاش في بند رئاسة الجمهورية التي تعاني شغوراً منذ 25 مايو 2014.

وكان الأبرز في «الحوار 2»، أمس، رسالة الاعتراض الناعم التي وجّهها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الى «الطاولة» كما الى بري، من خلال مقاطعته الشخصية للجلسة وايفاد صهره وزير الخارجية الرئيس الجديد لـ «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي لفت ايضاً حضوره منفرداً من دون اصطحاب اي شخصية ثانية يحق للمتحاورين الاستعانة بها بصفة مستشار، علماً ان المعلومات التي جرى تداولها صباحاً كانت تحدّثت عن ان النائب ابرهيم كنعان سيرافق باسيل.

ووصفت دوائر سياسية عزوف عون عن المشاركة في طاولة الحوار (غادره باكراً النائب جنبلاط لأسباب خاصة) بأنه بمثابة «بطاقة صفراء» الى مَن يعنيهم الأمر، قد تتطور الى مقاطعة كاملة، وذلك على خلفية اشتمامه وجود منحى لدى المتحاورين، ومن ضمنهم بري، لإبقاء الحوار يراوح عند نقطة الانتخابات الرئاسية، من دون الانتقال الى النقاط الاخرى، ولا سيما قانون الانتخاب الذي يشكّل المدخل لانتخابات نيابية يريدها عون قبل الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يلاقيه فيه «حزب الله» الذي اعلن رئيس كتلة نوابه محمد رعد أن «الحل الممكن (في لبنان) يكون بالاتفاق على أحد الأمريْن، فإما الاتفاق على رئيس جمهورية، وهذا يبدو غير متاح بوقت قريب، وإما الاتفاق على قانون انتخابات نجريها، ونعيد بها تنظيم البرلمان والحكومات التي ستصدر وتمثّل أمام مجلس النواب».

وثمة مَن رأى في السياق نفسه، ان عون يرتاب من وجود نية لتحويل طاولة الحوار الى جسر يلاقي المناخ الاقليمي والدولي الذي بدأ يرتسم حول انتخابات رئاسية الآن في لبنان وبرئيس توافقي، ما يعني سقوط آخر حظوظه بتولي منصب الرئاسة، في الوقت الذي يبدو انه خسر معركة إبقاء صهره العميد شامل روكز في المؤسسة العسكرية (يحال على التقاعد بعد اقل من شهر) بما يحفظ امكان تولّيه قيادة الجيش.