&

فهد عامر الأحمدي

في عهد عبدالرحمن الثاني كان في الأندلس راهب يدعى ايولخيو يتحدث العربية ويحفظ القرآن ويتزعم ماعُرف حينها ب"فتنة المستعربين".. كان حانقا بسبب إقبال الشباب المسيحي على تعلم اللغة العربية والدخول في دين الإسلام فتحول إلى مهاجمة الإسلام نفسه وحرض الرهبان على فعل ذلك مقابل دخولهم الجنة..

كان أتباعه يؤمنون بأنهم يحملون رسالة مقدسة فكان الواحد منهم يحرص على قتل شخص واحد على الأقل ممن اعتنقوا الإسلام - أو يذهب إلى مكان عام فيحرق القرآن ويسب الرسول علناً فيتم القبض عليه ويساق إلى القاضي الذي يحاول إقناعه بالعدول عن أقواله أو إعدامه فيفضل الإعدام.. وقد راح ضحية هذه الحركة الانتحارية عدد كبير من الرهبان والراهبات حتى خشي عبد الرحمن الثاني من ثورة الأسبان.. وفي سنة 237ه أمر بعقد مؤتمر ديني في قرطبة ضم جميع أساقفة الأندلس برئاسة مطران إشبيلية وحثهم على استنكار حركة هؤلاء المتطرفين وخروجهم على تعاليم الكنيسة فهدأت الفتنة (رغم ظهورها مجددا بعد خروج ايلوخيو من السجن فما كان من الأمير محمد بن عبدالرحمن الثاني إلا أن أمر باغتياله سنة 245ه)..

وقد اخترت هذه الحكاية (وليس مثلا حوادث التفجير الانتحارية التي تتم في عصرنا الحالي باسم الإسلام) للتنبيه بأن أعمال القتل والانتحار تتم في معظم الأديان تحت دعاوى مقدسة ومهامٍ سامية - من وجهة نظر أصحابها..

فالانتحار والقتل وتقديم الأضحيات ممارسة قديمة تغلف بإدعاءات قدسية مختلفة.. فالمسيحيون الأوائل كانوا يعتقدون مثلا أن القيامة ستقوم بعد 1000 عام من ميلاد المسيح. وحين شارفت الألفية الأولى على نهايتها قتل بعضهم نفسه وأطفاله فيما خرج الآخرون يجأرون ويستعدون للانجراف نحو السماء. وحين لم يحدث شيء - ومات من مات وقتل من قتل - ظهرت تفاسير جديدة تدعي ان القيامة أجلت الى نهاية الألفية الثانية.. وحين حل عصرنا الحديث (وانتهت الألفية الثانية عام 2000) دخل المسيحيون المتطرفون مجددا في حالة رعب وترقب وحدثت مجازر وانتحارات كثيرة بإسم الدين..

العجيب أن أعظم حوادث القتل والانتحار - في عصرنا الحديث - لم تعد تحدث في دول الغرب المسيحي بل في دول الشرق الإسلامي والشعوب حديثة العهد بالمسيحية.. لا أحتاج لتذكيركم بانجازات داعش في سورية أو تداعيات الصراع المذهبي في العراق، ولكن من المفيد إخباركم بماذا حدث في أوغندا وتايوان في مطلع الألفية الثالثة.. ففي أوغندا مثلا بدأت موجة من الانتحارات والقتل الجماعي بهذه المناسبة (واستعدادا لقيام الساعة) كان أضخمها 530 شخصا داخل كنيسة مدينة "كانونجو"، وأكثر من ألفي ضحية في أول يوم من العام في العاصمة كمبالا!!

أيضا هناك أتباع كنيسة "خلاص الله" التي أسسها قس تايواني يدعى "هونج ينج شين" أدعى أن الله – سبحانه وتعالى – سينزل بنفسه لحل مشاكل العالم.. وحين مر الموعد المضروب دون حدوث شيء انتحر قائلا "سأذهب بنفسي إلى السماء" فانتحر خلفه 150 شخصا فيما قتل عمدا 35 آخرون!!

.. هذه كلها مجرد أمثلة على خزعبلات كثيرة وأعمال قتل بشعة تحدث باسم الدين.. والتاريخ يشهد أن أعمال القتل والنهب والاضطهاد تحدث دائما من خوارج ومتطرفين يعتقدون أنهم أصحاب رسالات مقدسة والأقرب إلى الله من بقية البشر..

ولأن التاريخ لا يتوقف عن تكرار نفسه؛ حان للبشرية أن تعي هذه الحقيقة، وتعترف بأن الأيدلوجيات الدينية المتطرفة كانت (ومازالت للأسف في وطننا العربي) أكبر محرض للقتل والتناحر حتى بين أصحاب الديانة الواحدة نفسها.

.. وقارن رحمك الله؛

كم نفسا مسلمة أزهقنا في أفغانستان والعراق وسورية، مقارنة بما فعلته روسيا وأميركا وإسرائيل في نفس البلدان!!